قبل أيام قليلة، كان رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط واضحاً في موقفه بعد التفجير الذي إستهدف منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية، دعا "البيك" إلى قراءة رسالة المتفجرة جيداً، وإلى الإتعاظ منها، لا سيما أنها من الممكن أن تتكرر في أي منطقة أخرى، لكن على ما يبدو لا يريد أحد التنبه إلى هذا الموضوع في هذا الوقت، حيث لا مكان للقراءة الجيدة ولا للإتعاظ.
أمام هذا الواقع المرير، هناك أسئلة تطرح بين الأوساط حول الوضع الأمني في البلاد، وحول إمكانية تكرار الرسائل الأمنية في أكثر من مكان، فهل هناك قرار متخذ بتفجير الأوضاع على الساحة اللبنانية؟
تفجير بئر العبد كشف هشاشة الوضع الأمني...
في هذا السياق، يشدد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر على أن منطقة الضاحية الجنوبية لم تكن مقفلة كما يظن البعض، ولا يمكن إعتبار أن المنفذين تمكنوا من الدخول إلى "غيتو" كما حاولت بعض وسائل الإعلام الترويج، حيث من الممكن دخول المنطقة من قبل أي كان، وبالتالي لا يجوز القول أن هناك خرقاً أمنياً حصل في صفوف "حزب الله".
لكن على الرغم من ذلك، يؤكد جابر، عبر "النشرة"، ضرورة عدم التقليل من خطورة الحادثة، حيث يشير إلى أنه كان من الممكن أن يكون لها تداعيات خطيرة فيما لو سقط عدد كبير من الضحايا، ويلفت إلى أن لبنان لم يعرف مثل هذه الأعمال منذ الثمانينات، ويدعو إلى تمييزها عن التفجيرات التي حصلت في العام 2005، حيث أن وضع عبوة من أجل قتل شخصية ما، يختلف عن وضع أخرى من أجل قتل مواطنين عاديين في عالم الإرهاب.
من جانبه، يرى المحلل العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر أن هذه العبوة كشفت أن لا سقف أمنيا في البلد، حتى في أكثر المناطق التي كان يعتقد البعض أن لديها أمنا وقائيا في الفترة السابقة، ويعتبر أن هذا يدل على أنه في ظل غياب قرار أمني سياسي فاعل كل التدابير الأمنية تسقط والأمن الوقائي يتحول إلى أحلام.
ويستعبد عبد القادر، في حديث لـ"النشرة"، أن يكون تنظيم "القاعدة" أو أحد التنظيمات التي تدور في فلكها وراء العملية، ويرى أن الموضوع مرتبط بالأحداث السورية إلى حد بعيد، ويضعه في سياق العديد من العمليات التي إستهدفت "حزب الله" في منطقة البقاع.
تكراره وارد في أي لحظة
في ظل هذا الواقع، قد يكون الخوف من تكرار هذه الأعمال أخطر من تداعياتها، لا سيما بعد المعلومات التي تحدثت عن دخول عناصر أصولية من الجانب السوري إلى الأراضي اللبنانية، وفي ظل التقارير الإستخباراتية عن سعي بعض المجموعات إلى تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة.
وفي هذا الإطار، يشدد جابر على أن الوضع الأمني ليس بالسليم، ويشير إلى أن هشاشة هذا الوضع تتكشف كل يوم من خلال الأحداث التي تقع في أكثر من منطقة، ويرى أن تلك التي يكون فيها تحد لسلطة الدولة بشكل مباشر هي الأخطر، ويعتبر أن هناك إمكانية لتكرار هذه الرسالة المتفجرة.
ويرى جابر أن تفادي هكذا عمليات أمر صعب، حيث المطلوب إقامة الحواجز الكثيفة واجراء تفتيشات، لكن الأهم يبقى هو الحصول على معلومات إستخباراتية دقيقة، وهذا الأمر يتطلب تعاونا بين مختلف الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى التعاون مع أجهزة استخبارات خارجية.
وبالرغم من ذلك، لا يرى جابر أن هناك قراراً بتفجير الأوضاع على الساحة اللبنانية، لكنه يعتبر أن هناك قراراً بالاخلال بالأمن ترجمة للأحداث السورية، حيث أن كل القوى المتورطة هناك لا تريد التفجير بشكل كامل، لأنها مستفيدة من لبنان كساحة إنطلاق نحو سوريا.
من جانبه، يعتبر عبد القادر أن لبنان قد يكون أمام بداية مسلسل تفجيرات، ويرى أن هذا الأمر سوف يزيد من حدة الإستقطاب السياسي، وقد يؤدي إلى عودة الاغتيالات، ويشدد على أن البلاد مكشوفة أمنياً وفقاً لحاجات القوى المتضررة من تدخل "حزب الله" في سوريا.
ويشير عبد القادر إلى أن الجو العام المحيط والظروف الأمنية والسياسية تؤشر إلى أن ما يجري مرتبط بتدخل الحزب في سوريا، ويرى أنه إنطلاقاً من ذلك سيكون هناك عمليات تفجير أخرى إذا صح هذا الإعتقاد.
في المحصلة، يعتبر الجو العام في لبنان أفضل بيئة حاضنة لعمليات إرهابية تستهدف السلم الأهلي، والنائب جنبلاط دقيق في الدعوة التي وجهها إلى مختلف الأفرقاء، ولكن هل سيكون هناك تجاوب معها في الأيام المقبلة، أم أن الأمور ستصل إلى مرحلة لا ينفع بعدها الندم؟!