لا يذكّر مشهد تموضع العماد ميشال عون الجديد إلّا بمؤتمر الدوحة، الذي حزَم فيه الجنرال حقائب العودة ليلاً، بعد تأكده من حصول توافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، بموافقة حليفه «حزب الله» وراعيته الإقليمية إيران.
ما أشبَه الأمس باليوم، فالعماد عون عادَ إلى حزم الحقائب، للعودة هذه المرة عن مسار سيؤدي إلى النتيجة نفسها، إذا ما تأكد أنّ التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي قد أصبح بحكم المثبت، في ظلّ توافر توافق داخلي وعربي ودولي على منع الوصول إلى الفراغ في قيادة الجيش.
ما أشبَه اليوم بالأمس، فالتوافق على سليمان أتى بعد السابع من أيار، الذي بذَل عون في تأييده أقصى ما يمكن من إطلاق المواقف الداعمة، فشكّل ذاك السابع من أيار عودة للقطار إلى السكّة السليمة.
أمّا اليوم فقد مهّدت أحداث عبرا بدورها لولادة ضرورة من نوع آخر، وهي ضرورة التمديد لقائد الجيش، والمفارقة أنّ عون لعبَ مثل العادة، كل أوراقه في هذه الأحداث، لتثميرها لصالحه، ولكنّ التوافق الذي فوجئ بحصوله في الدوحة يتكرّر بسحر ساحر، مع ما يعنيه ذلك من تحضير لاستحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة، بمرشّحين قادرين على تكرار ما حصل في العام 2008.
وما أشبه اليوم بالأمس مرة أخرى، فعون الذي حزم حقائبه في الدوحة للعودة إلى بيروت وقطع الطريق على انتخاب سليمان، حزم الحقائب اليوم وحاول العودة عن "الشق التكتيكي" من وثيقة التفاهم، معلناً التزامه ما يُسمّيه أهل التفاهم "الشق الاستراتيجي"، وفي ذلك محاولة لتخفيف نتائج هذا التموضع، لأنّ وثيقة التفاهم قامت على هذا التزاوج بين مطالب عون التكتيكية، وضرورات "حزب الله" الاستراتيجية، وبالتالي فإنّ مجرد أن يقول عون إنّ "حزب الله" وحركة "أمل" لا يساهمان في بناء دولة، فهذا يعني، حسب التعبير الذي اختاره، أنّ الحزب لم يلبِّ مترتّبات هذا التفاهم، لا في التمديد للمجلس النيابي، ولا في التمديد لقائد الجيش، ولا في التعامل القريب مع انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث يفترض منذ الآن التمديد لسليمان، وهذه كلّها تشكل أساسيات غير مدوّنة كتابة في وثيقة التفاهم.
بعد حزم الحقائب، عاد عون آنياً إلى فكّها، والسير من دون شغب في العلاقة مع "حزب الله".عاد إلى التزام عدم الاشتراك في الحكومة، بعدما دقّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي جرَس إنذار بأنّ التحالف الشيعي سيشارك في الحكومة من دون أخذ موقع عون في الحسبان.
فماذا حصل؟ وكيف تراجَع عون؟ وكيف فرمَل "حزب الله" إنذار برّي؟ وهل جاء ذلك نتيجة لهدية على شكل ضمانات في موضوع التمديد لقائد الجيش قدّمها الحزب إلى عون سرّاً؟
لا تقول المعطيات المتوافرة شيئاً من هذا، فالحزب ملتزم التمديد لقهوجي، وهو لم يعطِ الجنرال كلاماً وعهداً في خصوص تعيين قائدٍ جديد للجيش، وكل ما حصل أنّ عون الذي حزم حقائبه، عرف أنه لا يستطيع الابتعاد عن "حزب الله"، أكثر مما ذهب في مؤتمر الدوحة.فلا الحزب يسمح بذلك، ولا الظروف الداخلية والإقليمية تُبشّر عون، بأنه قادر على تعويض ما يخسره هذه الأيام مع "حزب الله"، بالعلاقة مع أي طرف آخر.
هذا ما أكّدته وليمة الرابية مع السفير السعودي علي عواض عسيري، التي توصّلت في أقصى نتائجها إلى تجميد عقوبات ترحيل بحق رجال أعمال عونيّين، من السعودية والخليج العربي.
وعليه، من الأرجح أن يبقى الوضع داخل فريق "8 آذار" على ما هو عليه، لأنّ الانتقال في هذا التوقيت، من مكان إلى آخر يبدو محفوفاً بالمخاطر، فضلاً عن أنّ ثمن هذا الانتقال أو "تقريشه"، ليس باهظاً ولا يستأهل كل هذه المخاطرة، وهذا العناء.