في تعاليم التنظيمات الأصولية التي تتبع تنظيم "القاعدة"، هناك ما يسمى "أرض جهاد" وهناك ما يسمى "أرض نصرة". طوال الفترة السابقة كان لبنان يعتبر "أرض نصرة" بالنسبة إلى هذه التنظيمات، لا سيما تنظيم جبهة "النصرة" السورية، حيث يتم الإعتماد عليه من أجل تأمين الإمدادات اللوجستية في الحرب التي تخوضها ضد النظام، سواء من خلال تأمين السلاح أو من خلال تأمين المقاتلين.
وخلال عمل هذه التنظيمات، كان هناك سعي من أجل تأمين بيئة مساعدة على العمل بحرية، وهذا الأمر نجحت فيه بعد أن شكل الإحتقان الطائفي في البلاد عاملاً مساعداً لها، وصولاً إلى بدء طرح التساؤلات حول ما إذا كانت الجبهة قد قررت الإنتقال إلى العمل على الساحة اللبنانية.
البيئة الحاضنة تأمنت
لدى الحديث عن عمل التنظيمات الأصولية السورية في لبنان، لا يمكن إغفال "العاصفة" التي شهدتها الساحة السياسية اللبنانية عند حديث وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن عن الموضوع، قبل أشهر عديدة، عندما تعرضت معلوماته حول التحركات في منطقة عرسال إلى حملة تشكيك واسعة، مع العلم أنها كانت تستند إلى معلومات مصدرها الأجهزة الأمنية الرسمية.
وفي هذا السياق، تتحدث مصادر مطلعة على هذا الموضوع عن أن هذه التنظيمات لم تكن "حزينة" من هذه الحملة التي أمنت لها السهولة في العمل، حيث بات التحقيق مع أي من أفرادها يتطلب أخذ العديد من الإعتبارات في الحسبان، وتشير إلى الذي حصل يوم توقيف شادي المولوي في مدينة طرابلس من قبل الأمن العام بناء على معلومات أمنية خطيرة، حيث شهدت المدينة "شبه إنتفاضة" على الدولة اللبنانية، لم تهدأ قبل إطلاق سراحه معززاً مكرماً، وتلفت إلى صدور مذكرة توقيف بحق الرجل عن القضاء في قضية أخرى لم تنفذ حتى اليوم، بالرغم من أن مكان تواجده ليس مجهولاً عند الأجهزة الأمنية، لا بل هو لا يتوانى عن الظهور العلني عند الضرورة.
ومن جهة ثانية، ترى المصادر نفسها أن جو الإحتقان المذهبي الذي تعيشه البلاد، ساهم إلى حد بعيد في تأمين بيئة حاضنة أكبر، حتى باتت جميع القوى السياسية، بما فيها البعيدة عن توجه هذه التنظيمات، تردد خطاباتها من أجل الكسب الشعبي، وتعتبر أنها لم تكن قادرة إلا على القيام بهذا الأمر كون الساحة الجماهيرية باتت في مكان آخر منفصل عنها كلياً، وتندرج في هذا الإطار المواقف التي أطلقت بعد الأحداث التي شهدتها مدينة عبرا، والتي ما تزال مستمرة حتى اليوم.
هل بات لبنان "أرض جهاد"؟
على صعيد متصل، تسارعت في الفترة الأخيرة الأحداث الأمنية التي تؤشر إلى حصول تغير نوعي في نظرة هذه التنظيمات إلى الساحة اللبنانية من الإعتداءات العديدة التي إستهدفت الجيش اللبناني، وصولاً إلى الحديث عن إدخالها كميات كبيرة من المتفجرات، مروراً بالخيوط التي تربط تفجير بئر العبد الأخير بها، إضافة إلى وضعها "حزب الله" على رأس قائمة الأهداف لديها، لا سيما بعد الضربة التي وجهها إليها في معركة القصير، والحديث عن دوره في معركة حمص.
وحول هذا الموضوع، تدعو مصادر متابعة إلى عدم التقليل من أهمية بعض الحوادث التي يتم المرور عليها سريعاً، منها المعلومات التي تحدثت عن دخول عناصر أصولية قادمة من الداخل السوري إلى منطقة البقاع، والتوقيفات التي حصلت قبل يومين في منطقة البقاع، وشملت 5 أشخاص (سورييَن اثنين وفلسطينيَين اثنين ولبناني) لهم مسؤوليات مهمة في جبهة "النصرة"، بالإضافة إلى ضبط سيارة بيك أب محملة بكمية من الأسلحة والذخائر الحربية عند أحد حواجز الجيش اللبناني في منطقة عرسال.
وفي هذا السياق، لا تستبعد المصادر سعي هذه التنظيمات، لا سيما "جبهة النصرة"، إلى نقل المعركة إلى الساحة اللبنانية في المستقبل، في ظل حملة المضايقات التي تتعرض لها، سواء من قبل قوات الجيش السوري أو من قبل قوات المعارضة السورية المسلحة، التي أعلنت حرباً عليها بعد أن قررت القوى الداعمة لها محاصرة المجموعات المتطرفة، خصوصاً أنها قادرة على التحرك في بعض المناطق، لا بل هي تضع التفجيرات العديدة التي حصلت في منطقة البقاع في هذا الإطار.
من جهة ثانية، يوضح مصدر مطلع على عمل هذه التنظيمات أن موضوع تفعيل عملها في أي مكان يتوقف على الظروف المساعدة، ويشير إلى أنها موجودة في لبنان منذ زمن، ويلفت إلى أحداث الضنية في السابق، وإلى أحداث نهر البارد على هذا الأمر.
من وجهة نظر المصدر، الظروف الحالية في لبنان عامل مساعد في هذا الأمر، ويشير إلى أنهم كانوا يهيئون الأجواء في سوريا من أجل الإنتقال إلى لبنان في حال نجاحهم هناك، ويعتبر أن ما يتعرضون له هناك قد يدفعهم إلى تغيير أولوياتهم، ويلفت إلى أن هذه التنظيمات لديها كل المعطيات عن مختلف الدول التي قد تعمل بها، ويوضح أنها تحلل هذه المعطيات بشكل دقيق دائماً، ويضيف: "هم يعلمون بحجم الإحتقان المذهبي في لبنان، وبضعف ركائز الدولة، وبتكبيل الأجهزة الأمنية من خلال الحملات التي تشن ضده".
في المحصلة، يؤكد المصدر أن عمل هذه التنظيمات مصيره الفشل، لكنه يشير إلى أن الثمن سيكون باهظاً بسبب سوء التقدير من بعض الأفرقاء، ويرى أن السعي إلى تفادي هذا الأمر قد يكون صعباً في هذه المرحلة، خصوصاً أن البلاد قد تكون ذاهبة نحو الفراغ على مختلف المستويات.