لا تغيب حوادث الإعتداء المسلّح على الأمن الروسي عن الأقاليم التي يتواجد فيها "الجهاديون الإسلاميون".

فمنذ بضعة أيام وقع هجوم مسلح في مقاطعة لاكسكي وسط داغستان نفذه إسلاميون بحق أربعة عناصر من الشرطة الروسية قتلوا على الفور.

تلك الجمهورية الداغستانية التي يُطلق عليها الروس اسم بلاد الجبال تشكل مع دول القوقاز هاجساً لروسيا، نتيجة تنامي حركة المتشددين الإسلاميين.

لا يمكن فصل الواقع الإسلامي في داغستان عن الدول المحيطة بها، خصوصاً أنها تحد الشيشان التي خرّجت "الأصوليات" من مدارسها.

الأولوية في روسيا هي لمحاربة الإرهاب، ومصدر قوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصديه بقوة للمجموعات الإسلامية المتشددة منذ وصوله إلى السلطة.

المجموعات "الجهادية" نفسها عابرة للحدود، وتصل مخاطرها إلى الصين الصاعدة إقتصادياً، وتتصدر هواجس إقليم شينكيانغ، المعروف باسم تركستان الشرقية، الذي يقع في أقصى الغرب من جهورية الصين ويحاذي هذا الاقليم من الشمال روسيا ومن الجنوب أفغانستان وايران.

التوتر في "تركستان الشرقية" لا يغيب نتيجة حركة تمرد يغذيها "المتشددون الإسلاميون" تحت عنوان الاستقلال عن الصين، وتسجل هجمات للمجاهدين على مراكز الشرطة والمقرات الحكومية من وقت لآخر.

الهواجس الأمنية حاضرة في حسابات الأوروبيين ايضاً جراء الخوف من المجموعات الإسلامية المتشددة التي ذهبت للقتال في سوريا، بدافع "الجهاد"، وباتت تشكل عودة المتشددين إلى أوروبا خطراً يهدد المصالح الحيوية.

في المدة الأخيرة تعددت المؤتمرات حول مخاطر الإسلاميين، وجرى التداول بسلسلة من الإجراءات للحد من استهداف المصالح الأوروبية.

لم يأت القرار البريطاني بمنع تسليح المعارضة السورية من فراغ، لقد باتت القضية أمام الرأي العام الأوروبي.

فمنذ مدة كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يدافع علناً أمام الرئيس الروسي الذي زار لندن عن المعارضة السورية، فكان رد بوتين معبراً: هل تريدوننا أن ندعم آكلة لحوم البشر؟ كان يقصد الرئيس الروسي "الإسلاميين المتشددين".

يعلم أيضاً الأميركيون أن لا سماح لوصول تلك المجموعات إلى الحكم في أي مكان، بعد فشل تجربة "الإسلام السياسي" المصنّف في خانة المعتدل بعد "ثورات الربيع العربي"، كالإخوان المسلمين في مصر، ماذا حدث؟ ألم تبارك واشنطن في زيارة وليام بيرنز للقاهرة المرحلة الجديدة؟؟

رغم التمويل المسلّح المحدود الذي تسمح به الولايات المتحدة الأميركية للمعارضة السورية والحديث عن دعم المسلحين، غير أن القضية لا تتجاوز الخط الأحمر المرسوم وفق المصالح الروسية – الصينية وحتى الأوروبية والأميركية: ممنوع استيلاء الإسلاميين على السلطة في سوريا.

تصل إلى دوائر القرار الدولي معلومات شبه يومية في الآونة الأخيرة حول فشل فصل المسلحين السوريين بين "ثوار الجيش الحر"، و"​المجموعات الجهادية​".

تعددت المحطات من ذبح قيادات في "الجيش الحر" على أيدي عناصر وقيادات "جبهة النصرة" إلى التخطيط للسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، وصولاً إلى السيطرة على السلاح والذخيرة والسطو على الأموال والثروات الطبيعية السورية.

تدرك عواصم العالم أن طموحات "الإسلاميين" لا تقف عند حدود ليبيا ولا سوريا، بل تصل إلى ربط الدول ما بين بحر قزوين والبحر الأسود مروراً بتركيا إلى سوريا والعراق.

وفق العقيدة الجهادية، لا يمكن التعامل مع "إسلاميي" سوريا بمعزل عن المتشددين في سيناء المصرية، ولا يمكن فصل "القاعدة" في العراق عن أصولها في أفغانستان، ولا يمكن في القراءة الدولية إحتساب مخاطر الأفغان بمعزل عن خطر المتشددين في داغستان، ولا إبعاد التواصل بين هؤلاء الموزعين في تلك الدول الآسيوية والإفريقية والأوروبية عن المجموعات المتواجدة في اقليم شينكيانغ (تركستان الشرقية).

في الأشهر القليلة الماضية تعددت التقارير الروسية والصينية والأوروبية والأميركية، وتلاقت حسب ما نُشر منها عند أبعاد "الخطر الإسلامي" في توجهات المتشددين.

ومن هنا تتجسد الثوابت الدولية في رفض توسع "المتطرفين" المنفردين عملياً في الأحداث السورية، وتظهر حقيقة الإندفاعة الروسية ومن خلفها الصينية بالدفاع عن سوريا الدولة.

بدا أن الحدود السورية لم تعد في إطارها الطبيعي بل امتدت من الجولان مروراً بتركيا وداغستان إلى تركستان الشرقية.

يختصر أحد الدبلوماسيين العريقين المشهد بقوله: يُخطىء من يظن أن سوريا ستسلّم يوماً إلى "المتشددين"، ويردف مفسراً "حالة المعارضة السورية بأكملها أصبحت في نظر العالم متطرفة، بعد توسع نفوذ الإسلاميين وتراجع المجموعات المعارضة الأخرى في الواقع الميداني".

لماذا إذاً تواصل العواصم الغربية والعربية حربها ضد دمشق؟ يقول الدبلوماسي نفسه: الغرب يستغل الأحداث لضرب القوة السورية وإلزام طهران بالتنازل عن ملفاتها الإقليمية، ولا مشكلة لديه إن سقط ضحايا بالآلاف أو تكاثرت أعداد الجرحى في سوريا، أو أصبح اقتصادها معدماً.

لكن رأياً آخر يخالف هذا الدبلوماسي العريق، بالحديث عن خريطة جغرافية ديمغرافية سياسية جديدة في الشرق الأوسط تقوم على أساس الأقاليم العشائرية والمذهبية والطائفية والعرقية.

فهل يسمح الروس والصينيون في إيجاد داغستان 2، أو شينكيانغ 3 في دول تصل حدودها تقريباً إلى حدود روسيا والصين وتكمل مجموعاتُها جهود المتمردين الإسلاميين المتشددين خصوصاً أن المناطق تلك غنية بالثروات الطبيعية وتحديداً الغاز؟؟