مقام النبي جليل في بلدة "الشرقية" الجنوبية مزار ديني يعود إلى السنوات الاربعمئة الماضية، بداخله ضريح النبي ومساحة البناء 500 مترا والاهالي يقدسون المزار ويتباركون بوجوده في بلدتهم ويزورونه بشكل دوري، وهو قيمة إيمانية دينية تراثية وقد اهتمت به البلدية ورممته ليحافظ على طابعه الهندسي وعلى القناطر والسراديب وعلى القبة والمئذنة.
تتميز بلدة "الشرقية" بكثرة المناطق الاثرية التي هي عبارة عن بقايا منازل قديمة واجران محفورة في الصخور ومدافن وعدد من المغاور الضاربة في اعماق التاريخ والجغرافيا.
ويقع في "الشرقية" مقام ولي صالح اسمه عبد الجليل وقد تعددت الروايات حوله لمعرفة مدى علاقة اسمه بجبال الجليل في فلسطين، وببلدة قانا الجليل الجنوبية وبالمقام الاثري الموجود في البلدة. وفي الاحاديث المتداولة ان عبد الجليل كان شيخا لبلدة قانا الجنوبية وخلال تجواله في قرى جبل عامل لنشر رسالته الدينية مر على قرية "الشرقية" واستقر فيها وبنى له مقاما في العام 1681 وهو لا يزال حتى اليوم يعتبر مزارا دينيا مميزا لاهالي البلدة ولمنطقة النبطية.
ويقول كبار السن أنه، نظرا لحجم الوافدين لزيارته على مدى ثلاثة قرون، تحوّل محيطه إلى سوق شعبي تجاري، حيث أنّ الوافدين كانوا يتسابقون بالوصول إلى المقام لحجز مكان قريب لهم بسبب كثافة الزائرين الذين كانوا يقومون بتأدية الصلوات وتقديم النذور لعودة غائب او شفاء مريض، واستمر الحال على هذا المنوال حتى العام 1950 حيث انخفض حجم الوافدين واقتصرت الزيارات على تقديم النذور التي يواصل كثيرون من أبناء البلدة والقرى المجاورة تقديمها للولي مع الدعاء بتحقيق الامنيات.
ويوضح مختار "الشرقية" هاني عبد الرؤوف شعيب أنّ هذا المقام هو مزار للنبي المذكور وله حرمة وقداسة عظيمة في نظر الاهالي وقد كان له عيد سنوي في ايام الربيع يجتمع اليه الناس من مناطق بعيدة للاحتفال وتقديم النذور. ويشير شعيب إلى أنّ البناء الواسع والضخم لا يزال يشهد على اعتبار الناس له كما انهم ينسبون له شفاعات ويقسمون باسمه في الامور المستعصية، وقد تبركت به البلدة خلال القرون الماضية، وعمد الاهالي والبلدية الى المحافظة على طابعه الديني والهندسي وعملوا على تأهيله مرات عدة ليبقى مزارا دينيا على مر العهود والايام وهو بشكله الحالي يحاكي الشكل الهندسي المعماري عند العرب والمسلمين. كما يلفت إلى أنه تم الاهتمام بالمقام من الداخل حيت يوجد فيه ضريح النبي جليل، ويشير إلى ان المقام يتميز من الناحية الهندسية عن سواه من مقامات الانبياء الكثيرة التي تنتشر في العديد من قرى جبل عامل من حيث مساحة بنائه التي تزيد عن 500 متر وفي الاشكال الهندسية التي اعتمدت لبناء القناطر والسراديب وباحتوائه على قبة ومئذنة.
ويؤكّد المؤرخ الدكتور علي شعيب من جهته أنّ عمر البناء يعود الى 400 سنة، وبني على انقاض واطلال مقام سابق او ضريح قديم لـ"النبي جليل"، ما يعني ان وجود المقام سابق بكثير لوجود البلدة التي حل ابناؤها ضيوفا هنا وسكنوا قرب المقام وتبركوا به منذ قرون، مؤكدا ان عظمة هذا النبي واهميته الخاصة تبرز من خلال الربط بين "النبي جليل" وبلاد جبل عامل التي كانت تعرف باسم جبال الجليل نسبة الى مقام النبي جليل في الشرقية.
للاطلاع على ألبوم الصور كاملا اضغط هنا
هذا الموضوع هو الجزء الثاني من سلسلة السياحة الدينية التي تعرضها "النشرة" تحت شعار "لبنان أكثر من ترفيه.. إنه بلد السياحة الدينية أيضا"، وكان الجزء الأول تطرّق إلى مسجد المنصوري في طرابلس: "المسجد المنصوري الكبير في طرابلس: موقع ديني وأهمية تاريخية".