يتراجع وبشكل دراماتيكي نفوذ العلمانيين السوريين الذين كانت لهم اليد الطولى داخل الدوائر الغربية في تحريك الشارع السوري واندلاع الثورة السورية لصالح القوى الاسلامية المتطرّفة التي تتحضر لانشاء دولة اسلامية تمتد من العراق الى الشام تحكمها الشريعة الاسلامية.
ولعل اندلاع المعارك مؤخرا بين "الجيش الحر" و"جبهة النصرة"، على خلفية اغتيال هذه الأخيرة قياديا في "الحر"، أشعلت جبهة جديدة داخل سوريا زادت المعارضة ضعفا والنظام قوة في الميدان.. لتأتي تصريحات الشيخ أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" السورية، قبل يومين لتزيد الامور سوءا في صفوف المعارضة مع اعلان الأخير رفض "أهل الجهاد" لأي "عملية سياسية وانتخابات برلمانية"، داعيا إلى إحلال حكم الشريعة والإسلام، ومحذرا من أي تسوية سياسية بضغط دولي.
اذا سوريا الجديدة التي يقاتل لأجلها عشرات آلاف الاسلاميين والذين انضم اليهم مقاتلو "طالبان" مؤخرا مع اعلان محمد أمين المسؤول في حركة "طالبان"، إن متخصصين في الحروب القبلية والشؤون التكنولوجية المنتمين للحركة وصلوا إلى سوريا للانضمام الى الثوار. سوريا الجديدة ليست بنظر هؤلاء إلا إمارة إسلامية تحكمها الشريعة لا مكان فيها للآخر وللعلماني... وهو ما ترفضه قوى المعارضة السورية العلمانية رفضا مطلقا، مؤكدة أنّ النظام السوري يقف خلف الكثير من هذه الحركات المتطرفة لضرب صورة الثورة والثوار.
"جبهة النصرة" التي يكثر الحديث عنها مؤخرا نتيجة ممارساتها التي تعود للقرون الوسطى، هي حاليا جبهتان وليست جبهة واحدة. جبهة يقودها أبو بكر البغدادي، أمير دولة العراق الاسلامية وأخرى يقودها أبو محمد الجولاني الذي كان بالاصل مكلفا من البغدادي بتشكيل نواة النصرة في سوريا. قبل شهرين انشق الجولاني عن البغدادي بعد اعلان الأخير قيام دولة العراق والشام الاسلامية وبالتالي تمدده الى الشام واعلان نفسه أميرا عليها. عندها قرر الجولاني وباطار ردة الفعل اعلان البيعة لتنظيم القاعدة... وقائع يؤكدها الداعية الاسلامي عمر بكري، لافتا إلى أن زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري عيّن أبو خالد الشامي ليفصل بين البغدادي والجولاني بانتظار قيام مجلس شورى المجاهدين والذي سيجمع قريبا جدا كل الفصائل الاسلامية.
ويعتبر بكري أن قيام مجلس مماثل بات حاجة ضرورية خاصة بعد اعلان "الجيش السوري الحر" الحرب على "جبهة النصرة" وتراجعه عن قراره هذا فيما بعد. ويضيف بكري: "لدى معظم عناصر الجيش الحر نزعة بعثية اكتسبوها على مر عشرات السنوات لا امكانية لأن يتخلصوا منها بليلة وضحاها".
التيار الاسلامي هو الأقوى في الميدان.. هذا ما تؤكده الوقائع ويجزم به بكري، لافتا إلى أنّ معدل العمليات ضد النظام السوري التي يقودها الجولاني يوميا يتراوح ما بين 20 و 24 عملية فيما تتراوح عمليات البغدادي ما بين 14 و 15 عملية. وتنحصر عمليات "الجيش الحر"، ودائما بحسب بكري، بين عمليتين أو 3 يوميا. ويضيف: "الذي يقود العمليات على الأرض هي الفصائل الجهادية الاسلامية وبالتالي على التيار العلماني الذي يريد رفع ظلم (الرئيس السوري) بشار الأسد تقبل مشروع الشريعة باعتباره المشروع المنطقي في دولة غالبية سكانها من المسلمين".
ويدعو بكري التيار الاسلامي والقوى العلمانية لتأجيل خلافهما لما بعد سقوط الاسد، مشيرا إلى أنّه وفي المرحلة اللاحقة سيتم قياس شعبية كل منهما فيمسك عندها الأمور الذي يحظى بقوة ميدانية وشعبية أكبر على الأرض.
بالمقابل، يرفض لؤي صافي عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري مجمل ما يصدر عن الاسلاميين المتطرفين جملة وتفصيلا وخاصة ما خرج به أبو محمد الجولاني مؤخرا مع اعلانه رفض "أهل الجهاد" لأي "عملية سياسية وانتخابات برلمانية". ويقول صافي: "هذه وغيرها من المواقف تنم عن عدم فهم لأهداف الثورة وحتى للشريعة ونحن اكدنا ونؤكد مجددا رفضنا مشاركة اي فصيل يتبع للقاعدة في العمليات العسكرية داخل سوريا".
ويتابع: "الاستبداد باسم الاسلام مرفوض تماما كما الاستبداد باسم العلمانية أو غيرها لذلك نحن نعمل حاليا على تقوية التيار الثوري الذي يمثل أهداف الثورة من حرية المشاركة السياسية الى سيادة الشعب وغيرها من مبادىء الثورة لكن المعارضة مرت مؤخرا بمرحلة صعبة نتيجة تدخل حزب الله وبشكل مباشر في العمليات بعد ترنح نظام الاسد وها نحن اليوم نعيد ترتيب صفوفنا للعودة والتركيز على هدفنا الاساسي باسقاط النظام".
وفيما يتهم صافي النظام السوري بالوقوف وراء أكثر من مجموعة متطرفة لضرب صورة الثورة والثوار، يؤكد أن "الشعب السوري سيكون اول من يواجه مجموعات لا تمثله فلا أحد قادر على جر الشعب للمربع الاسلامي أو غيره من المربعات لأنّه بعد اليوم سيد قراره وصانع مستقبله".