يبدو أن "دبلوماسية" دفع الأموال لاتخاذ قرارات دولية ما زالت ناشطة وفاعلة لدى قادة دول الاتحاد الأوروبي، الغارقة في وحول العجز والأزمات المادية. فالقطريون دفعوا سابقاً ما يتوجّب لإصدار قرار أوروبي يرفع حظر السلاح عن "المعارضة السورية"، من دون أي تطبيق على أرض الواقع، حيث كان المطلوب ضجة إعلامية لافتة، في ظل الخسائر التي يُمنى بها المسلحون في سورية، ثم ما لبثت كل من فرنسا وبريطانيا أن أعلنتا تراجعهما عن مدّ المقاتلين بالسلاح.

واليوم، وبعد أن تسلّم السعوديون قيادة المسلحين في سورية؛ توجيهاً وتمويلاً، ها هي الرياض تدفع ما يتوجّب عليها من أجل إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب الأوروبية، لاسيما بعد أن بات الاتحاد الأوروبي أشبه بمن يسترزق "مقابل القطعة"، فلكل قرار ثمنه، خصوصاً إذا كانت الحاجة إليه مُلحّة، والضجيج الإعلامي هو الأكثر طلباً، في ظل تعليق السويد موافقتها على القرار بموافقة برلمانها المعطَّل حالياً إلى حين انتهاء الإجازة الصيفية، ما يجعل القرار الأوروبي مجمّداً غير نافذ.

قبل ساعات لا تتجاوز الـ72 من صدور القرار الأميركي – "الإسرائيلي" باسم الاتحاد الأوروبي ضد حزب الله، كان واضحاً أن هذا الاتحاد يبحث عن مخرج لإصدار قرار إدراج ما سمّوه "الجناح العسكري في حزب الله" على لائحة "المنظمات الإرهابية"، خصوصاً أنه منذ معركة القصير ثمة تداعيات بدأت تفرض نفسها على القرار الأميركي – "الإسرائيلي" – الأوروبي، المدعوم سعودياً، حيث تكشّف حجم الدعم الكبير مادياً وعسكرياً ولوجستياً للمجموعات المسلحة السورية، بما فيها ما يُدرج على اللوائح الأميركية والأوروبية كمنظمات إرهابية، مثل "جبهة النصرة" و"لواء التوحيد"، وغيرهما من أتباع "القاعدة".

كان هؤلاء، كما يؤكد مصدر رفيع المستوى، بحاجة إلى تغطية فضائحهم الأخلاقية، إذ إنهم في الوقت الذي يشنون عدوانهم في كل العالم بذريعة مكافحة الإرهاب، ويموّلون في سورية الإرهاب القاعدي على نطاق واسع، بالتالي فإن لكل طرف (الأميركي، الإسرائيلي، الأوروبي، السعودي) حساباته، في ظل وجود بيئة عربية ولبنانية حاضنة ومحرّضة على كل ما يؤدي إلى تشويه سمعة وصورة حزب الله عربياً ودولياً.

قبل الشروع في اتخاذ الخطوات العملية كان ثمة حركة أوروبية لافتة باتجاه لبنان، فقبل ساعات من صدور القرار، كان اتصال للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بنظيره اللبناني ميشال سليمان، ليؤكد له على "ضرورة تشكيل حكومة جديدة لا تستثني أحداً"، ليبدأ بعدها على الفور الحديث عن القرار الأوروبي المنتظَر، وهو ما اعتُبر حسب مصادر لبنانية رفيعة المستوى محاولة أوروبية لحفظ ماء الوجه الذي كُشف على حقيقته جراء دعم الإرهاب في سورية، وبالتالي محاولة من الأوروبيين للمساواة - وإن بطريقة غير مباشرة - بين دعمهم لما يسمى "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" و"لواء التوحيد"، وغيرها من الزمر المسلحة في سورية، واضطرار حزب الله للدخول في معركة القصير، بعد أن بلغت التهديدات حد استهداف البقاع الشمالي بشكل خطير.

لكن بقي أمام الاتحاد الأوروبي توفير المخرج لهذا القرار "الأميركي - الإسرائيلي"، فكانت العودة إلى تفجير بورغاس في بلغاريا، رغم أن التحقيقات القضائية البلغارية، لم تتوصل إلى أي دليل جديد، يمكن أن يوجِّه أدنى اتهام لحزب الله، وبالتالي يقلب المشهد الأوروبي رأساً على عقب.

القرار المشبوه ترافق مع الكثير من المواقف السلبية صدرت عن بعض الأفرقاء في لبنان ضد حزب الله، والهجوم عليه، لا سيما في موضوع الحكومة، وكلها كانت تصبّ في اتجاه خدمة مثل هذا القرار، خصوصاً عشية اتخاذ "هذا القرار"؛ ومنها اللقاء الذي حصل في السعودية وجمع قائد "التيار الأزرق" مع بعض أركانه في لبنان، وعلى رأسهم النائب فؤاد السنيورة، حيث إن رسالة وُجِّهت من قائد "الزرق" إلى رئيس الحكومة المكلف بعدم التفكير في التأليف قبل عيد الفطر.

وقد كشف وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور عن دور لبعض الداخل اللبناني في هذا القرار، الذي وصفه بالمتسرّع، ولا يخدم لبنان بل يضر بمصالحه، إلا أنه كان لافتاً سوء فهم أو تدبير بعض المسؤولين لمغزى ومعنى ودور الشرعية الدولية، ومن يمثلها، فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اختلط عليه أن الاتحاد الأوروبي هو منظمة إقليمية، وليس الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي، ولا حتى منظمة حقوق الإنسان.

قد لا يكون مفاجئاً القرار الأوروبي بتوقيته، لأنه ببساطة - حسب رأي حليف وثيق لحزب الله - يأتي في خانة الرد على الدور الرائد الذي يقوم به الحزب في مجابهة الحرب الواسعة التي تشَنّ على سورية، وفي إطار خطة يجري حبكها للتدخل أكثر فأكثر في الشؤون الداخلية اللبنانية، والتي أخذت الرياض تمارسها في لبنان بمختلف الأشكال، والتي تأتي الآن تحت عنوان منع تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة، والتي أخذ يتلقفها سياسيون ونواب وإعلاميون، سواء من "التيار الأزرق" أو من الحلقة الأوسع في ما يسمى "14 آذار".. فلنلاحظ هذه الاحتفالية الواسعة التي تمتد من بعض الداخل اللبناني إلى السعودية إلى الكيان الصهيوني إلى واشنطن.. تتضح الصورة تماماً.

هل سيؤتي هذا القرار أُكُله؟ لننتبه جيداً إلى المحاولات التي تجري علناً وخلف الكواليس من قبل بعض الدول الأوروبية للاتصال بحزب الله.. ليتضح جانب من الصورة.