بدا أنّ كلّ أحداث المنطقة العربية بدءا من سوريا مرورا بمصر وتونس تسير على وقع الأجندات الدولية والاقليمية. ففي وقت تشهد فيه شوارع مصر وميادينها على بداية نهاية حكم "الاخوان المسلمين" في ظل دخول العسكر على خط الأحداث المباشرة وإعلانه "الحرب الوقائية" على ما وصفه وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالارهاب في مقابل عدم تسليم "الاخوان" بعزل الرئيس محمود مرسي واصرارهم على المواجهة، تعيش الساحة السورية سباقا محموما بين إمكانية التسوية الاميركية الروسية من جهة والحسم العسكري الذي يسقط كل الحوارات ويعيد الازمة إلى مربعها الأول الذي انطلقت منه منذ أكثر من سنتين.
في هذا السياق، يكشف زوار العاصمة السورية أنّ النظام يسير وفق خطة مدروسة من شأنها أن تُخرج الوضع من عنق الزجاجة عبر عملية عسكرية كبيرة تعيد تظهير المشهد التفاوضي برمته، وتسقط الاوراق الاميركية والسعودية والتركية في وقت واحد وهي تعتمد على إنهاء معارك حمص برمتها ومن ثم تطهير السلسلة الشرقية المعروفة بجبل القلمون والاستعداد لحسم معركة ريف دمشق وتطهيره بالكامل، بحيث يحمي الجيش السوري ظهيره بالكامل ويتفرغ لمعركة الشمال، وذلك قبل الموعد المحدد لاجتماع الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين في أيلول المقبل.
غير أنّ المخطط السوري في حال نجاحه من شأنه أن يسقط عملية التفاوض مع المعارضة السورية بشكل كامل ويعيد فتح الأبواب أمام المزيد من الضغوط العربية والغربية وهي قد تصل الى حدود موجات عارمة من تسليح المعارضة وزج المزيد من القوات في المعارك وذلك على اعتبار انه لم يعد هناك اي شيء لتفاوض عليه واشنطن. فسقوط حمص وانهاء معركة الريف الدمشقي وتأمين الساحل السوري بالكامل يعني عجز واشنطن عن فرض شروطها ولو بحدها الادنى كما يعطي موسكو ورقة رابحة بالكامل تعيدها إلى لعب الدور الوازن في الشرق الاوسط ، وهذا ما سترفضه واشنطن بالطبع بحيث تعمد حينها إلى تسعير المعارك في شمال البلاد وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا لفتح حدودها مجددا أمام الراغبين في القتال بسوريا كما أمام تدفق المزيد من الأسلحة الاستراتيجية والوازنة.
في الموازاة، يشير هؤلاء الزوار إلى أنّ الرئيس السوري بشار الأسد يبدو أكثر صرامة في تعامله مع الوضع لاسيما بعد ان بدأت الدبلوماسية الاميركية محاولات جادة للتواصل معه، فهو يرى أنّ التحولات الكبيرة الحاصلة على مستوى المنطقة والعالم تصب في مصلحة المحور الذي ينتمي إليه، أي المحور الروسي الايراني، وهو لذلك لا يبدي اي حماسة لتقديم اي تنازل مهما كان صغيرا، بل على العكس فإنّه بات في مرحلة متقدمة يرفض معها المساومة على أيّ مكسب فهو يلعب "صولد" بحسب التعبير يربح سوريا كاملة وغير منقوصة او يخسر كل شيء وهذا ما يراه مستحيلا بعد التطورات الاخيرة وتدحرج رؤوس كبيرة وبداية سقوط ما سُمّي بـ"الاسلام السياسي" في العالمين العربي والاسلامي.
ويشدد هؤلاء نقلا عن الرئيس الاسد على أنّ شهر آب قد يكون الاصعب على الاطلاق بالنسبة لسوريا فالمعارضة تستميت لتحقيق نصر بحده الادنى والجيش يستقتل للمحافظة على ما حققه تمهيدا لحسم معركة ريف دمشق بصورة نهائية وحاسمة وذلك قبل فتح سوق البازارات بين واشنطن وموسكو وطهران.