ثمّة أسباب كثيرة تمنع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون من تطبيق ما وصَف نفسه به، بأنّه حرّ ومحرّر، لجهة قدرته على المناورة والالتفاف في زمن اتّساع خلافه التكتيكي مع حليفه «حزب الله» وسائر مسيحيّي «8 آذار».
فمن خلال تأكيد التزامه تغطية سلاح "حزب الله" تحت يافطة التزام الثوابت، ومن خلال اندفاعه في إعلان الخلاف مع الحزب حيال ما يُسمّيه المواضيع الداخلية، التي قصَمت قشةُ التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ظهر بعيرها، بدا أنّ قدرة عون على العودة الى استقلاليته في السياسة باتت شبه معدومة، إلّا من بعض المحاولات المرسوم سقفها بتحالف مع سلاح "حزب الله" وقّعه في العام 2005، وبدا في الأمس أنّ الهدف منه، عونياً، لم يتحقق على النحو الذي يريده الجنرال.
وفيما تضج صالونات "8 آذار" بهذا الخلاف الذي لم ينجح اللقاء بين السيد حسن نصرالله وعون بإنهائه، ينشر المتحالفون غسيلاً من نوع آخر، وصل إلى حدّ فتح كشف حساب متبادل حول الأرباح والخسائر، التي جناها الطرفان من هذه العلاقة، التي رُتّبت على عجل بعد زيارة عون الأخيرة إلى واشنطن، والتي تأكد له بعدها أنه غير مطروح أميركياً كمرشح لرئاسة الجمهورية، وأنّ واشنطن تؤيّد مرشحاً آخر (النائب الراحل نسيب لحود)، وهذه المعلومات نقلها "عونيّون"، بعد تلك الزيارة.
نماذج من العتب وكشف الحساب بدأت تقال على ألسنة المقرّبين من "حزب الله"، الذي أعطى توجيهاته بتجنّب أي احتكاك إعلامي وسياسي مع عون. من هذه النماذج التذكير بأنّ الحزب أعطى الجنرال كل ما يريده، في الجانب "التكتيكي" من التفاهم: عطّل تأليف الحكومات، أزعج حليفه الرئيس نبيه برّي، فوَّض عون محاوراً وحيداً بإسم "8 آذار" في الكثير من القضايا الداخلية، فماذا يريد الجنرال أكثر؟
أما تيار "المردة" فيقول المقرّبون منه الكلام نفسه بلغة مختلفة تحمل نكهة مسيحية تنافسية، وما قاله النائب سليمان فرنجية عن صعوبة العلاقة مع الجنرال لا يشكّل إلّا القليل مما يقوله بعيداً عن الإعلام، والذي يوحي بأنّ عون يريد كل شيء لنفسه، وأنه لا ينظر إلى الآخرين كحلفاء، إلّا بقدر ما يوافقون على تحقيق مصالحه السياسية.
أمّا عون، فيرى الأمور من زاوية أخرى، وتغطيته العلاقة مع "حزب الله"، وضعته (على رغم المكابرة وعدم الاعتراف) في مأزق على مستوى الشارع المسيحي، إذ تراجع بإضطراد منذ العام 2009، بسبب تغطيته السلاح، وهو بالتالي يعتبر أن المكافأة المناسبة و"رد الجميل" يقتضيان مراعاة كل ما يطلبه، خصوصاً في الحصّة المسيحية في الإدارة من أصغر موقع إداري وصولاً الى أعلى موقع سياسي، وهذا ما لا يراعيه "حزب الله" الذي طغت مستلزمات أجندته السورية والإقليمية على هواجس حليف الداخلية.
الأزمة التي تشهدها العلاقة بين "حزب الله" وعون لم تعد من النوع الذي يمكن تغطيته بالتزامات لفظية بالمقاومة، وبكلمات فيها قصائد عاطفية يغدقها نصرالله على الجنرال.
فالشق المتعلّق بعون في التفاهم، قد تم تجاوزه مرتين، الأولى في الدوحة حين لم يلتزم الحزب ترشيح الجنرال إلى الرئاسة، والثانية اليوم، حين رفض دعم ترشيح العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش، وهو رفض لا يرتبط فقط بعدم قدرة الحزب على هذا التعيين، بل لاعتبارات أخرى ترتبط برؤية الحزب لتوازنات لا يفترض خرقها، ولو كان ذلك الأمر مرتبطاً بالعلاقة مع حليف كالجنرال.
من الواضح أنّ "حزب الله" تصرّف في الأمس مع عون، كما فعل في الدوحة، وهذا يعكس ثقة واطمئناناً إلى عدم قدرة الجنرال على التفلّت من التفاهم، وما سيفعله رداً على هذا التجاهل لن يتعدى الشغب السياسي.
وتقول مراجع مطلعة إنّ "حزب الله" يمتلك ملفات تجعل قدرة عون على الخروج من التحالف صعبة جداً، وهي ملفات تتعلّق بالكثير من قيادات التيار ووزرائه، إضافة إلى أنّ الحزب يعرف أن ما لم يعطه هو لعون، لن يتمكن الأخير من نيله لا من "14 آذار" ولا من رعاتها الإقليميين، وهو بالتالي سيضطر الى العودة الى حيث كان، بعد استنفاد حظه في لعبة الوسطية، بنسختها الجنبلاطية.