مع غياب الحدث السياسي والأمني عن الساحة المحلية، استأثرت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى عاصمة الكثلكة بالاهتمامات الرسمية والشعبية، لما حملته من مؤشرات في ظل تنامي الحديث عن موجة نزوح سوري كبيرة للمدينة المسيحية الأكبر في الشرق، وما تضمنته من رسائل موجهة للداخل الزحلي من جهة، وللدولة الغائبة من جهة ثانية، لا سيما فيما يتعلق باللامركزية الادارية والدولة المركزية القوية والقادرة، والدعوة المباشرة إلى عدم استقدام الأزمة السورية إلى المدينة.
وبدا، بحسب مشاهدات مصادر كنسية في المدينة، أن زيارة الراعي كشفت عن الكثير من التناقضات السياسية بين مكونات المدينة، خصوصاً أن "الكتلة الشعبية" ورئيسها الوزير السابق الياس سكاف شكلا محور الزيارة ورأس حربتها، في ظل غياب شبه كامل لبعض الأحزاب السياسية المارونية في المدينة، حيث اقتصرت الاستقبالات واللقاءات على ما يمكن وصفه برفع العتب أو اللقاء للشكوى، وليس للترحيب أو البحث في المخارج السياسية لاعادة عاصمة الكثلكة إلى الخريطة السياسية العامة، وذلك بعد أن أفرغت من تمثيلها النيابي والوزاري، فكتلتها النيابية واقعة تحت تأثير تيار "المستقبل" وسياساته المناقضة لمصلحة المدينة، وبالتالي فهي تشكل خط الدفاع الأول عن الأصولية والسلفية المنتشرة بشكل يقلق الكنيسة، كما تشكل خط الدعم السياسي المباشر الذي يصل الشمال السياسي بعرسال ومجدل عنجر، في ظل حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي أن المدينة تشكل العقدة السياسية والجغرافية الفاصلة بين حدي الجنوب المتصل بالبقاع الشمالي والشمال المتصل بالبقاعين الأوسط والغربي، ما يعطي عاصمة الكثلكة أهمية جيوسياسية واستراتيجية تفسر استماتة تيار "المستقبل" وداعميه بالسيطرة السياسية عليها، وذلك في ظل تمثيل وزاري معقود اللواء على التيار "الوطني الحر"، الذي يحدد مصالحه السياسية والاستراتيجية وتحالفاته الأساسية انطلاقا من مصلحة الرابية وليس من مصالح المدينة السياسية أو الانمائية.
انطلاقاً من هذا التوصيف، تعتبر المصادر الكنسية عينها أن الزيارة بشكلها ومضمونها تشكل أهمية فائقة، خصوصاً أنها تأتي بعد سلسلة من الأحداث الداخلية والاقليمية النافرة، والتي قد ترخي بظلالها الثقيلة على البقاع الأوسط، لا سيما أن محيطه بدأ يتأثر مباشرة بتداعيات الأزمة السورية بعد دخول "حزب الله"، المتواجد على أطراف المدينة وعلى خطوط تماس مع تيار "المستقبل" الداعم للمعارضة السورية من جهة، وبموجة النزوح الكثيفة والفوضوية باتجاه السهل المتاخم، وهذا ما يفسر تركيز الراعي، في محطاته كافة، على ضرورة الحوار والتلاقي لابعاد المدينة عن الخطر الداهم الذي تستشعره الكنيسة بطوائفها كافة.
في هذا السياق، ترى المصادر عينها أن وصف زيارة الراعي لزحلة بالرعوية لا تقع في مكانها الصحيح، باعتبارها سياسية بامتياز لا سيما أن التحضيرات السابقة والمواكبة لها، ركزت بصورة مباشرة وأساسية على المواقف السياسية بعيداً عن الانمائية أو المناطقية، بيد أن مواقفه عموماً لامست بمعظمها الشأن الاقليمي، وأن كانت بصورة مبطنة، كما انتقدت مواقف نواب المدينة لدعمهم الفريق الذي يخطط لضرب الجيش ويشن حملات منظمة عليه، وذلك من خلال الدعوات المباشرة للحوار، والمعني هنا الحوار مع جوار المدينة، باعتبار أن داخلها يتميز بالهدوء السياسي والعقلانية في ادارة الأزمة.