يعرف وليد جنبلاط ان خصومه السياسيين اضعف من ان يواجهوه بهذه القضية التي تلاحقه كظله. لا بأس اذاً بمراجعة لأداء عرّاب هذا الملف أكرم شهيب

المرة الوحيدة التي انقسمت فيها 8 و 14 آذار كانت في حكومة سعد الحريري الثانية التي مددت عقود سوكلين في العام 2010. يومها كشفت جميع الاوراق، ثلاثة من وزراء رئيس الجمهورية صوّتوا ضد التمديد، في حين صوّت وزير «حزب المردة» يوسف سعادة مع سوكلين. لكن المشهد الاكثر غرابة، وشكل سابقة لم تتكرر، انقسام وزراء وليد جنبلاط. وائل ابو فاعور وغازي العريضي ضد سوكلين، واكرم شهيب معها.

لم تكشف الى الآن حماسة اكرم شهيب لسوكلين التي احرج بها «رفاقه»، هي الحماسة نفسها التي دفعته الى طلب عضوية اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف النفايات، رغم انه كان وزيراً للمهجرين. انه الحنين الى زمن وزارة البيئة التي قادت «النائب الاحمر» الى تأسيس حزب الخضر، ليضمن فيه تقاعده السياسي، حين يقرر جنبلاط ان يغير تركيبته الحزبية داخل المجلس النيابي. والى حينه يمتلك شهيب مجموعة من القدرات والخبرات الحزبية والسياسية التي تجعله مرشح جنبلاط الدائم الى النيابة، ومرشحه الابرز الى الوزارة، إلا اذا كانت الحقيبة الدرزية «مزروكة» مع النائب طلال ارسلان، فيستعين جنبلاط بعلاء الدين ترو من مقاعد الاحتياط السنية داخل «التقدمي الاشتراكي».

ابرز الملفات التي يوكلها جنبلاط الى شهيب هو ملف النفايات المنزلية الصلبة. الكل يعرف «الاستاذ اكرم» داخل شركتي سوكلين وسوكومي. يستفيد النائب من هذه العلاقة لتوظيف المحاسيب، وفي المساعدات العينية للبلديات من بند «المسؤولية الاجتماعية» الذي خصصت له الشركة ميزانية لا تزيد على بضعة ملايين من الدولارات. وبين آلة لفحص ترقق عظم، وحائط دعم، وشبكة صرف صحي لدسكرة، او حملة نظافة مجانية لحي او قرية، تمر جميع الخدمات التي تقدمها سوكلين في مصفاة النائب شهيب البالغة الدقة.

يجمع الافرقاء السياسيون على ان العقود الموقعة مع شركتي سوكلين وسوكومي عالية الكلفة. التوصيف الادق ان هذه العقود تتضمن، اضافة الى كلفتها المرتفعة، العديد من الخدمات غير المجدية (التوضيب والتغليف والتسبيخ)، التي يكفي شطبها من العقود ان يخفض كلفة ادارة النفايات بما يزيد على 50 مليون دولار سنوياً.

حارس هذه العقود في جميع العهود والحكومات المتعاقبة «صندوق اسود» يستفيد منه مختلف الافرقاء السياسيين، مروراً بالقوى الحزبية وصولاً الى رجال الدين، ولأن الاقربين اولى بالمعروف فإن مطمر عين درافيل الذي يحول اليه يومياً 4 آلاف طن من النفايات كان «الدجاجة التي تبيض ذهباً» لمن شجع على انشائه وهيأ جميع الظروف المؤاتية شعبياً وسياسياً لعدم الاعتراض على التمديدات المتلاحقة، التي قضمت تباعاً هذه القرية المارونية التي لا تزال مهجّرة منذ نهاية الحرب الاهلية لاستحالة العيش فيها.

تكفي العودة الى الارشيف لمعرفة عدد المرات التي تعهد بها شهيب وجنبلاط باغلاق مطمر عين درافيل. الوعد الاول كان في العام 2000 حين تحركت مجموعة من شبان المنطقة بعد ان تجاوز المطمر طاقته الاستيعابية البالغة مليوني طن في اقل من عامين، علماً ان الخطة التي وضعها شهيب نفسه، كانت تقضي بأن يستوعب مليوني طن خلال عشر سنوات. حينها وقف شهيب في مؤتمر عقد في بيت اليتيم الدرزي وقال «لن نقبل بغرام واحد من النفايات بعد المليوني طن». لكن الغرام تحول الى اكثر من 12 مليون طن من النفايات ناتجة من استقبال المطمر خلال 15 عاماً ما يزيد على 850 الف طن سنوياً.

تطور حالة الاعتراض الشعبي لاغلاق المطمر، حشد الجمعيات والبلديات والافراد، وحملات توعية من المخاطر ،واعتصامات وبيانات، لكن التمديد كان يلاحق الآخر، وشهيب حاضر في مجلس الوزراء وخارجه لرفع يده بالموافقة.

اختار النشطاء اللحظة المناسبة لتحريض ناخبي قرى غرب عاليه، لايصال رسالة مفادها ان التمديد لمطمر عين درافيل سيكون له أثمان سياسية في صناديق الاقتراع. في ايلول 2003 جاءت الانتخابات الفرعية بعد شغور المقعد الماروني في دائرة عاليه ــ بعبدا لتشكل اللحظة الحاسمة. اجمع الافرقاء على توريث هنري حلو مقعد ابيه، واختار ميشال عون من باريس استعراض قوته الشعبية في وجه الجميع فرشح حكمت ديب. وبين حلو وديب ظهرت حملة «الورقة البيضاء» وكانت ثاني الخاسرين برصيد فاق 6400 صوت. وصلت الرسالة سريعاً الى جنبلاط، جال في قرى القضاء برفقة شهيب واطلق تصريحه الشهير «اذا لم يغلق المطمر خلال شهرين فسوف انزل شخصياً وأنصب خيمة على باب المطمر واغلقه بوجه الشاحنات القادمة من بيروت». استبدل نصب الخيمة باعتصام هزيل نظمه شهيب مستبعداً فيه النشطاء الذين عملوا على ملف اغلاق المطمر لسنوات، والنتيجة تمديد جديد.

في العام 2010، احتدمت معركة تمديد عقود سوكلين وسوكومي، يومها كان شهيب عضواً في اللجنة الوزارية التي اختارت استبدال المطامر بمصانع لتوليد الطاقة من النفايات. قبل ذلك بعامين قررت وزارة الداخلية ان تعدل مرسوم توزيع اموال الصندوق البلدي المستقل من اجل استدراج البلديات الى قبول انشاء مطامر في نطاقها العقاري، وذلك بعد ان اجمعت البلديات على انها لن تقبل ان تتكرر مأساة عين درافيل ــ الناعمة في ربوعها. عدل المرسوم وبات كل طن نفايات يدخل النطاق العقاري للبلدية يعوض عليه بستة دولارات اميركية. لكن هذا المرسوم بقي حبراً على ورق، فهو اعد اصلاً لضحايا جدد وليس لبلدية عبيه عين درافيل التي «اغتصبت» عام 1998 وتكرر الفعل مرات عدة. اليوم تلجأ البلدية الى مجلس شورى الدولة عله ينصفها، لكن المراجعة لا تزال في ادراج شكري صادر، والتمديد الخامس يقترب.