في انتخابات «استثنائية»، أقصى رئيس حزب الطاشناق أمينه العام هوفيك مخيتاريان عن منصبه، رغم فوز الأخير بغالبية أصوات أعضاء اللجنة المركزية. لم يعد سكوت القيادة العالمية للحزب عن «تجاوزات» الأخير جائزاً بعدما بات، مثله مثل أي رئيس حزب لبناني، يتفرد بالرئاسة وقرارات الحزب منذ أعوام

كان يفترض بالأمين العام السابق لحزب الطاشناق هوفيك مخيتاريان أن يكلّل أعوامه الاثني عشر في منصبه بعامين إضافيين. هذا، على الأقل، ما أفضت إليه نتائج انتخابات اللجنة المركزية للحزب التي صوّتت بأكثريتها له في مكتب الطاشناق في المزهر (المتن). كان مخيتاريان واثقاً من فوزه، فاستبق النتائج بتوزيع البقلاوة على الحاضرين. حصل ذلك يوم الأحد، في 14 من الشهر الجاري، بعد اجتماعات دامت ثلاثة أيام انتخبت خلالها الهيئة العامة المؤلفة من ممثلي لجان المناطق لجنة مركزية جديدة للحزب، بحضور رئيس اللجنة العالمية للطاشناق هرانت مركريان. ولأن أصوات لجان المناطق «في جيب مخيتاريان»، كان من الطبيعي أن يُنتخب بالإجماع.

نشوة الفوز بولاية سادسة لم تدم إلا ثواني، بحسب أحد الحاضرين؛ إذ بدّدها رئيس اللجنة العالمية للحزب بإعلانه إقصاء مخيتاريان و«لجنته المركزية». وبعد ثلاثة أيام أخرى من المشاورات وإحصاء «إنجازات» مخيتاريان وفريقه في العامين الأخيرين، تقرر إبعادهما نهائياً. في الاجتماع الأخير (18/7/2013)، أخرج مركريان من جيبه ورقة صغيرة وتلا على الحاضرين أسماء أعضاء اللجنة المركزية الجدد وأمينهم العام. ولأن الأسماء جاءت بالتعيين من «الرقم الأول» (أي مركريان كما يسميه الطاشناقيون) حددت ولاية اللجنة والأمين العام بعام واحد بدل عامين. وعُيّن هاغوب خاتشريان أميناً عاماً (يشغل منصب الأمين العام للاتحاد الآسيوي لكرة السلة) إلى جانب 8 أعضاء في اللجنة المركزية، منهم ثلاثة من اللجنة السابقة، هم: آفو غيدانيان (رئيس إذاعة راديو «فان»)، رافي أشكاريان وهاغوب آفاتيان. أما الباقون، فهم: هوفانيس تسلكيان، الوزير السابق سيبوه هوفنانيان، ألبير بالابانيان، ميليك تكفوريان ولويزا بابويان.

يتداول حزبيون في مجالس ضيقة قصة «معركة مخيتاريان ـــ مركريان». في السابق، كان الرجلان مقرَّباً جداً أحدهما من الآخر، لكن مخيتاريان انقلب على صديقه في الانتخابات العالمية الأخيرة وحاول إسقاطه عبر الاتفاق مع زميل له على الاقتراع بورقة بيضاء. لم تنجح الخطة، وفاز مركريان بالرئاسة مجدداً، فانقلب سحر مخيتاريان عليه، وتمكّن مركريان من إقصائه لا العكس.

يرفض مسؤولو الطاشناق الرسميون، بمن فيهم المسؤول الإعلامي التعليق على ما سبق. الأوامر الحزبية واضحة بعدم التطرق إلى هذا الموضوع. يدعون سائلهم بطريقة متشابهة إلى التزام البيان الرسمي للحزب الصادر بعد ثلاثة أيام على انتخاب الأمين العام. لا يقول البيان شيئاً سوى ذكر اسم الأمين العام الجديد. لا همّ، في برج حمود الكل يبتسم عفوياً لدى سؤاله عن هاغوب خاتشريان، والكل ينتظر «تغييراً» في سياسة البيت الداخلي. هناك انتشر الخبر بسرعة فائقة بين الحزبيين وغير الحزبيين. لم يعترض أحد على عدم التزام نتائج الانتخابات وإبعاد مخيتاريان بالقوة. ووفقاً للطاشناقيين، ليس التبديل عبثياً أو بداعي الانتقام، بل نتيجة سلسلة تراكمات ومغالطات بات السكوت عنها يمسّ بتطور الحزب. يعوّل هؤلاء على جردة حساب حزبية بإشراف اللجنة المركزية تنعكس تغييراً على لجان المناطق التابعة لمخيتاريان «حتى يتمكن معارضو سياسته من الحزبيين، وهم كثر، من العودة إلى مهماتهم المناطقية بعد إقصاء دام أعواماً». ففي منطقة الفنار، مثلاً، يلتزم غالبية الطاشناقيين منازلهم ويمتنعون عن التوجه إلى نادي الحزب بسبب خلافات مع الأمين العام السابق. ليست الفنار استثناءً، التململ يخيّم على الكثير من المناطق حيث الوجود الطاشناقي الكثيف. يأخذون على مخيتاريان استفزازه الأرمن وتقسيمهم إلى فريقين: معه وضده، ومبادرته إلى تعيين مقربين منه في مختلف المناطق ليضمن فوزه كل عامين بولاية جديدة. وهذا يعدّ مخالفة في القاموس الطاشناقي الذي لم يعش يوماً تجربة «دكتاتورية» مشابهة، أي ترشح حزبي واحد لرئاسة الحزب لأكثر من ولايتين متتاليتين.

بحسب أعضاء «البيت الداخلي»، كان التغيير ضرورة وخصوصاً في ظل عشرات الرسائل التي وصلت إلى رئيس اللجنة العالمية عن سلوك مخيتاريان وتفرده بالقرارات على طريقة رؤساء الأحزاب اللبنانية. في حين أن النظام الداخلي يساوي بين الأمين العام وأعضاء اللجنة المركزية ويعتبره واحداً من الأعضاء بلقب «فخري» فقط. لذلك تحتاج كل القرارات إلى غالبية أصوات اللجنة لتصبح سارية (وبعض القرارات يحتاج إلى إجماع). فالمسؤولة هنا جماعية لا فردية. أما مهمات اللجنة الكبيرة، فتنطلق من تسمية المرشحين للنيابة والوزارة، مروراً بترشيح المخاتير ورؤساء البلديات ولجان المناطق، وصولاً إلى انتخاب الأمين العام. ومخيتاريان، وفقاً لمسؤول طاشناقي، كان يهيمن على آراء اللجنة وسط صمت تام قسري بين الأعضاء. فحين قرر عضوان الاعتراض، فُصلا من مهماتهما.

لا يقف التململ عند هذا القدر، وخصوصاً في قلب برج حمود حيث «أرمينيا الصغيرة»: في 24 نيسان الماضي، ذكرى المجزرة الأرمنية، اكتشف المعتصمون السائرون من ساحة الشهداء إلى برج حمود أن الفرن الذي يمتلكه مخيتاريان على طريق الدورة لم يقفل أبوابه. لم يسع بعض الشبان السكوت عن «الكارثة»، فعمدوا إلى رمي قوارير المياه على زجاج الفرن تلاه إشكال انتهى بمعاقبة الشبان. أضف إلى ذلك أن الطاشناقيين لم ينسوا قط «جلوس مخيتاريان على مائدة رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل بعد أسبوعين على إهانتنا من دون اعتذار الأخير لانتهاكه شرف الشعب الأرمني».

ينتظر المجتمع الأرمني، كما الحزبيون، التغييرات التي ستطرأ على البيت الداخلي والتي ستنعكس حكماً على أحوالهم. يعوّلون على «ديموقراطية» اللجنة الجديدة وأمينها العام لإعادة الحزب إلى سابق عهده، وربما «فتح ملفات مخيتاريان كاملة، أكانت سياسية أم تنظيمية أم مالية، لضمان عدم تكرار تلك الظاهرة. وذلك يستدعي في المرتبة الأولى تبديل «الطقم» المناطقي السابق ومساءلة رئيس بلدية برج حمود عن الفوضى في فريقي الشرطة والهندسة»، بحسب مصادر قريبة من الحزب.

في السياسة، الغالبية الطاشناقية مرتاحة للخط العام للحزب، وتحالفه المبدئي مع قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر. لكن يبقى سؤال أخير يتبادر إلى أذهان البعض في ما خص مصير نائبهم لدورتين متتاليتين في المتن الشمالي هاغوب بقرادونيان المقرب من مخيتاريان. يقول أحد مسؤولي الحزب في هذا السياق إنه «يصعب على الأرمن إعادة ترشيح نائب لدورتين متتاليتين، فكيف الأمر إذا كان الترشيح لدورة ثالثة؟». يمتنع عن الإجابة عن سؤاله، تاركاً المسألة في عهدة اللجنة المركزية الجديدة التي قد تنتهي ولايتها قبل حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة. عندها «يكون الأمر بيد اللجنة المقبلة. ولكن ما هو مرجّح أنّ التغيير آتٍ، فعهد هوفيك مخيتاريان قد ولّى».