ما زال المراقبون السياسيون المهتمون بما يجري من تحوّلات في المنطقة والعالم يحاولون تقصّي الدوافع الحقيقية التي حملت رئيس الاستخبارات السعودية الأمير ​بندر بن سلطان​ إلى زيارة موسكو بنحو مفاجئ والاجتماع إلى القيادة الروسية، وهل تتّصل هذه الدوافع برغبة سعودية في الدخول على خط التفاهم الروسي ـ الأميركي حول حلّ سلميّ للأزمة السورية؟ أم أنّها تدخل على خط مغاير يرمي إلى إقناع موسكو بالتراجع عن دعمها الواضح للنظام السوري؟

يعتقد هؤلاء المراقبون أنّ هذا المسؤول السعودي الكبير يدرك أكثر من غيره صعوبة تغيير الموقف الروسي من الأزمة السورية، خصوصاً أنّ هذا الموقف يعبّر عن مصالح استراتيجية لروسيا اكثر ممّا يعبّر عن علاقة خاصة بالنظام السوري، وإن كانت موسكو، ومعها بكين، تدركان أنّ صمود الرئيس بشّار الأسد على مدى سنتين ونصف السنة، قد ساهم في إحداث نقلة نوعية في النفوذ الروسي والصيني في المنطقة والعالم.

ويعتقد المراقبون ايضاً أنّ الموقف السعودي المؤيّد بشدّة للتغيير الحاصل في مصر أتى على خلفية الرغبة السعودية في تطويق جماعة "الإخوان المسلمين" التي تشكّل في نظر دول الخليج خطراً على حكومات تلك الدول لأنّها تنهل من المعين نفسه الذي تنهل منه هذه الحكومات، وإنّ لها أنصاراً ومؤيّدين داخل النسيج الاجتماعي والثقافي والديني في الخليج.

ويرى المراقبون أنّ الرياض ودمشق تتلاقيان، كلّ من موقعها، على تأييد القيادة المصرية الجديدة، وبالتالي فإنّ هذا يعطي القاهرة، ومعها موسكو، دوراً في إقناع الرياض وحلفائها في الخليج بسلوك طريق الحلّ السياسي في سوريا، وهو ما تبدّى في التصريحات الأخيرة لرئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا حول استعداده للتفاوض مع نظام الأسد بلا شروط مسبقة.

ومن هنا يعتقد المراقبون أياهم أنّ الحنكة السعودية المعهودة باتت تدرك أنّ النفوذ الاميركي في المنطقة يتّجه نحو الانكفاء لعوامل داخلية في الولايات المتحدة الاميركية، أو خارجية، وبالتالي فإنّ العلاقة السعودية مع موسكو هي ضمان لخروج الخليج كلّه من خط الزلازل الإقليمي الذي تعيش عليه المنطقة.

ويضيف هؤلاء المراقبون انّ من هنا تبرز العلاقة الايرانية ـ السعودية التي يعتقدون انها تسير على طريق الانفراج في ضوء انتخاب الرئيس الايراني المعتدل حسن روحاني من جهة، كما تعتمد على تقدم احتمالات الحوار بين طهران وواشنطن التي سارعت الى إعلان موقف ايجابي من تولّي روحاني الرئاسة الايرانية، وإن كانت قد ربطت هذه الإيجابية ببعض الشروط المعروفة.

ولذا فإنّ الجميع مدعوون الى مراقبة التطورات على المحور السعودي ـ الروسي من جهة، والايراني ـ الاميركي من جهة ثانية، والمحور المصري ـ السعودي من جهة ثالثة، بالإضافة الى الإنجازات الميدانية التي يحققها الجيش السوري ضد معارضيه الذين دخلوا بدورهم في حروب لا تقل شراسةً عن شراسة حروبهم ضد النظام.

ومن هنا فإنّ المراقبين يعتقدون انّ تولي الامير بندر، المعروف بتشدده في الملف السوري، ملف العلاقات الخارجية لبلاده يقوم على مبدأ معروف في السياسة الدولية وهو أن الاكثر تشدداً في زمن النزاع هو الاكثر قدرة على التساهل في زمن التسويات، ويذكّرون هنا بدوره مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ترتيب العلاقات ال​لبنان​ية ـ السورية بعد اتفاق 17 أيار وحرب الجبل التي ادت في ربيع 1984 الى استقالة حكومة الرئيس الراحل شفيق الوزان لتخلفها حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي، ويجري بعدها الغاء هذا الإتفاق.

فهل يستعيد الأمير بندر دوره قبل 30 عاماً فيشارك في قيادة الحل في سوريا ولبنان على غرار ما فعل عام 1984 ويقوم الرئيس سعد الحريري بدور مماثل لدور والده الراحل في تلك المرحلة؟

هنا يتوقف المراقبون امام الجزء المتعلق بموقف تيار "المستقبل" من المتشددين الاسلاميين والذي أصاب فيه الحريري في خطابه الأخير حيث دعا انصاره الى عدم التورط في تغطية الإرهابيين و"التمسك بالدولة حتى ولو أخطأت، وبالجيش حتى ولو ارتكب بعض عناصره أخطاء بحقه".

ولعلّ المشترك في كل هذه التطورات هو التلاقي الدولي والعربي والمحلي على مواجهة المتشددين الموسومين بالإرهاب، وعلى قاعدة هذا العدو المشترك يمكن ان تنشأ تفاهمات جديدة تضع حداً لرياح ما سمّي "الربيع العربي"، فتعيد الأولوية لفكرة الاستقرار في المنطقة. ويدعو المراقبون هنا كل الساسة في لبنان الى رفد هذه التحوّلات وتجنّب أي خطوات متسرّعة تودي بأصحابها بدلاً من ان تخرج البلد من أزمته.