من جديد، صحّت المعلومات التي كانت "النشرة" قد نقلتها عن تقرير دبلوماسي غربي حول إمكانية إطاحة التقدم الذي حققه الجيش السوري في محافظة حمص بكل عمليات التقارب بين ​روسيا​ والولايات المتحدة الأميركية على اعتبار أنه لم يُبق موادا دسمة للحوار بينهما في ظل اختلال فاضح في موازين القوى لمصلحة الأولى، بحيث بدت العلاقات الثنائية بينهما غير جيدة اذا لم تكن متوترة، خصوصا أنّ التقارب حول الملف السوري الذي يشكل أكثر الملفات دقة وحساسية عاد إلى نقطة الصفر بعدما أعلنت واشنطن عن إلغاء القمّة التي كانت مرتقبة بين الرئيسين الأميركي والروسي بسبب إعطاء موسكو حق اللجوء المؤقت للموظف السابق في جهاز الاستخبارات الاميركية ادوارد سنودن، ما يؤكد أنّ رقعة الخلافات بين الدولتين اتسعت بشكل كبير حول الملفات الاكثر ضغطا والحاحا.

وفي حين تضاربت المعلومات المتعلقة بالعرض السعودي على روسيا شراء اسلحة روسية مقابل الحد من دعم النظام السوري وراوحت بين تأكيد الخبر ونفيه، يعرب دبلوماسي شرقي عن اعتقاده بان العرض السعودي طرحه فعلا رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الامير ​بندر بن سلطان​ على القيادة الروسية أثناء زيارته الاخيرة لها وانه سمع الجواب الرافض لاي من العروض المماثلة وهذا ما لم تكشف عنه وسائل الاعلام التي سربت خبر العرض بطلب سعودي اميركي مباشر لزرع الشك بين سوريا وايران من جهة وروسيا من جهة ثانية.

وجاء الرفض الروسي وفق دبلوماسي الشرقي استنادا إلى أنّ الدعم الروسي للمحور السوري الايراني يعود الى اسباب استراتيجية وسياسية بعيدة المدى وليس الى اسباب اقتصادية او مالية لاسيما ان موسكو قد تكون الدولة الوحيدة في محيطها التي تتمتع باقتصاد نام كما انها غير محكومة بديون خارجية او حتى داخلية، وبالتالي فان اقتصادها يقوم بنسبة تفوق السبعين بالمئة من مجملها على انتاج الغاز وتصديره الى اوروبا بشكل خاص، فضلا عما يعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعادة للكرامة الروسية من خلال العودة الى المسرح الدولي كلاعب له وزنه في القضايا الدولية والازمات الطارئة، ناهيك عن عدم اضاعة فرصة تحقيق الحلم الذي راودها منذ عقود طويلة بالوصول الى المياه الدافئة بعدما وصلت اليها فعلا وتمركزت في اكثر النقاط حساسية واستراتيجية على المتوسط.

ما يعزز حقيقة الرفض الروسي للعرض السعودي هو ان جردة حساب معمقة تظهر بان مكاسب موسكو الطويلة الامد تكمن بعدم تراجعها عن مشروعها الاستراتيجي خصوصا لجهة استمرارها في قيادة مجموعة دول "البريكس" من جهة، وللمصالح النفطية الطويلة الامد، بحيث ان تأمين معابر للغاز الروسي عبر الاراضي الايرانية والسورية واستطرادا اللبنانية يعطيها الارجحية لمدى قرون طويلة مقبلة، كما يقفل الباب نهائيا امام امكانية اي منافسة محتملة لاسيما بعد ان بدأت اسرائيل باستخراج الغاز الطبيعي ومن المتوقع ان يحذو لبنان حذوها عاجلا ام آجلا، وهذا لن يتم الا في ظل نظام سوري متحالف معها استراتيجيا وعضويا، وبالتالي فان دعمها لسوريا هو حالة ثابتة وليست مناورة عابرة تهدف الى تحقيق مكاسب آنية.

غير ان الدبلوماسي عينه يذهب الى حد الاعتقاد بان زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الى واشنطن للقاء امين عام الامم المتحدة بان كي مون ستشمل لقاءات مع كبار المسؤولين في الادارة الاميركية ما قد يخفف من درجة الاحتقان بين الدولتين وابعاد خطر تحويل الحرب الباردة بينهما الى حرب فعلية غير محسوبة النتائج.