في العام 1993 أي قبل عشرين عام من الآن ؛ في مقدمة كتابه (طريق أوسلو) نسأل السيد ابو مازن وهو متوجه في الطائره التي اقلته إلى واشنطن للمشاركة في التوقيع على اتفاقات أوسلو فيما إذا كان ذهب إلى هناك للتوقيع على بداية عودة الوطن أو بداية ضياعه
كلام غاية في الدقة وكذلك غاية في الخطورة ؛ على اعتبار أن السيد رئيس السلطة الفلسطينية ومن موقعه كمهندس لهذه الاتفاقات آنذاك يقر أنه وكل الموافقين والموقعين والمشجعين والمباركين والمتحمسين والمصفقين من الفلسطينيين دون سواهم أنهم ذهبوا لموافقة والاحتفال التاريخي حسب كلام الرئيس الأمريكي بن كلينتون وهم يدركون وعن سابق تصميم أنهم قامروا بالوطن بين بداية عودته أو بداية ضياعه. والسؤال الملح اليوم والذي يحتم على الاخ ابو مازن وأركان السلطة الفلسطينية أن يجيبوا عليه وبعد مرور عشرين عاماً على اتفاقات أسلو هل وقعتم فعلاً على بداية عودة الوطن أو بداية ضياعه ؟
كل السياق الزمني لهذه الاتفاقات يدلل بل ويؤكد أن لا بداية لعودة الوطن ؛ بل نحن نشهد ومع استئناف المفاوضات في واشنطن نهاية وطن. ورغم ذك ذلك فالسيد أبو مازن عقد العزم على دعوة الشعب الفلسطيني إلى الاستفتاء الشعبي عى نتائج المفاوضات مع " الإسرائيليين" . وكان قد سبقه إلى ذلك نتنياهو والذي أكد بدور أنه سيخضع نتائج المفاوضات مع مفاوضي السلطة إلى الاستفتاء
قد يتفهم أحد ما أن نتياهو أسبابه في عرض نتائج المفاوضات على الاستفتاء في الكيان " ألإسرائيلي" من خلفية أن نتنياهو الغير مؤمن بإعطاء الفلسطينيين أي شيء ؛ وهو في الأساس ذاهب للمفاوضات وهو غير قانع أساساً بما يسمى السلام . والاستفتاء يتيح له فرصة الهروب إلى الامام . مضافاً لذلك يريد أن يحصن نفسه ويعزز أوراقه في مواجهة جمهور الكيان وعلى وجه الخصوص غلاة المتطرفين وبعض القوى المؤتلفة معه في الحكومة. وقد يكون في حساباته الخوف أن يلقى ذات مصير المقبور إسحاق رابين ؛ وهو الذي أي نتنياهو قد ساهم في حملة التحريض على رابين فقتله أحد غلاة المتطرفين بتهمة الخيانة لأنه وقع على اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية .
ولكن ما هي أسباب أبو مازن في عقدة العزم على تنظيم استفتاء شعبي يعرض عليه نتائج مفاوضاته مع " ألإسرائيليين ؟ . صحيح أن القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية وتعديلاته العام 2033 يمنح رئيس السلطة الحق في الدعوة إلى الاستفتاء الشعبي؛ ولكن ألا يشكل هذا التوجه سابقة خطيرة على عناوين القضية الوطنية الفلسطينية والحقوق التاريخية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني. وعليه نرى في توجه الأخ ابو مازن إلى تنظيم استفتاء شعبي على نتائج المفاوضات لا معنى أو مبرر له للآتي : -
في ظل غياب الإجماع السياسي والشعبي الفلسطيني ؛ والذي يتجلى في مشهدين الأول المصالحة المعطلة والتي لا أفق لها وبسقف زمني مفتوح حتى لا نقول المترحم عليها . والثاني عدم الموافقة لطيف واسع من فصائل منظمة التحرير وتحالف وطني وحتى الفتحاوي الرافض لاستئناف المفاوضات . هل من الجائز الذهاب لهذا الاستفتاء والحال السياسي والشعبي الفلسطيني يعاني ما يعانيه من انقسام؛ حكومة في الضفة الغربية وثانية في قطاع غزة ؟ أم أن رهان رئيس السلطة ومن يحيط به قائم على اساس أن من رفضوا اتفاق اوسلو ما لبثوا أن عادوا إلي بيت الطاعة والانضباط بحيث تكون معارضتهم من داخل منظمة التحرير لا من خارجها . وحتى من هم خارج المنظمة خاض البعض منهم انتخابات المجلس التشريعي وشكلوا الحكومة الفلسطينية وفق الآليات التي نصت عليها تلك الاتفاقات. والباقي الاخر ما لبس أن ذهب للمصالحة فوقعوا اتفاقين الأول على تفعيل وتطوير المنظمة في اذار من العام 2005 والثاني المصالحة في أيار من العام 2011 في القاهرة.
بعد أن تم التنازل وبموجب اتفاقات أوسلو عن نسبة 80% من أرض فلسطين التاريخية ومضافاً لذلك ما تمكنت حكومة الكيان من وضع اليد عليه بآلة التهويد والاستيطان في الضفة والقدس. وما تكفلت به المبادرة العربية فيما يتعلق بحق العودة وجعل تطبيقه تحت رحمة الحل بالتوافق وإن وفق القرار 194 الذي لا معنى له على اعتبار أنه مرهون بالموافقة " الاسرائيلية" المسبقة عليه .وما دامت كل عناوين الحل النهائي ستكون عى طاولة المفاوضات بحسب ما صرح به وزير الخارجية الأمريكية جون كيري فهي قابلة للتنازل والتفريط.
ولكي ا ندعي المعرفة المطلقة فنحن لم نسمع عن تجارب مماثلة لشعوب تم دعوتها للاستفتاء من اجل التنازل عن حقوقها وثوابت قضيتها لصالح أعدائها وقتلتها ومغتصبي أرضها ومقدساتها . وفي السياق لا أتصور أن هناك فلسطيني يقبل أو يتقبل أن يطالبه أحد في أن يستفتيه على مفاتيح وكواشين بيته وأرضة ومقدساته .
قد يقول البعض أن تنظيم الاستفتاء الشعبي قبل اتفاقات أوسلو لم يكن متاحاً أما اليوم وبفضل هذه الاتفاقات ووجود السلطة والقانون الأساسي أصبح هذا الأمر ممكناً . ولكن نسي هذا البعض أن العمل على عودة الوطن مقدمة على ما يتيحه القانون من مسوغ لاستفتاء سينضم على ما تبقى من حطام وطن وبداية ضياعه ؟.
في زحمة الاستعجال الأمريكي لانجاز التسوية التاريخية وطي صفحة عقدة العقد القضية الفلسطينية هل سيكون في مقدور أبي مازن أن ينظم هذا الاستفتاء والوقت الأمريكي بل " والإسرائيلي" لا يسمح بإطالة الوقت المضبوط على ساعة المنطقة وأحدثها الكبرى الذي تقع على خط تقاطعات مصالح الكبار ؟.