انتهت "مفاعيل" هدنة شهر رمضان المبارك وعيد الفطر السعيد، وعادت الأجواء "الحامية" لتسيطر على المشهد السياسي والأمني اللبناني على كلّ المستويات..
وإذا كانت الساعات القليلة الماضية حفلت بالمستجدات والتطورات في ضوء حادثة خطف الطيارَين التركيّين على طريق المطار وما أثارته من تداعيات لم تنجل بشكل واضح حتى الساعة، وإن كان أبرزها سعي البعض لتحويل أهالي المخطوفين اللبنانيين في سوريا إلى "جلادين" وتناسي أنهم "الضحايا" الذين تجاهلتهم "الدولة" على مدى عام ونيّف، فإنّ "الايجابية" في تسارع الأحداث تجلّت بعودة هذه القضية "المنسيّة" إلى واجهة الضوء، حيث يجب أن تبقى حتى انتهائها بخاتمة يفترض أن تكون "سعيدة" بكلّ ما للكلمة من معنى..
وبعكس هذه الخاتمة، يبدو أنّ كل المعطيات تشير إلى أنّ خاتمة مهمة رئيس الحكومة المكلّف تمام سلام لن تكون "سعيدة"، إذ احتلّت مصطلحات "الأمر الواقع" و"اللون الواحد" وما شابههما كواليس الاستشارات، في ما بدا وكأنه "تمهيد" لولادة حكومة لن يكون جميع الأفرقاء راضين عنها، في "سيناريو" يخشى المراقبون من "انعكاساته" على غير صعيد..
الخطوط الحمراء إلى تزايد..
البداية من قضية أهالي المخطوفين اللبنانيين في سوريا الذي بقي "تصعيدهم" خلال الساعات الماضية على خلفية توقيف الشاب محمد صالح للاشتباه بدور له في قضية خطف الطيارين التركيين فجر الجمعة الماضي محصورا بالمواقف والوعود والتعهّدات، بانتظار "ساعة الصفر" التي لم يحن موعدها بعد، لعلّ الاتصالات "تفعل فعلها" فيُطلَق صالح كما وُعد الأهالي بعد أن قيل أنّ ملف التحقيق أقفِل معه باعتبار أن دوره كان محصورا بتلقي التهانئ والتبريكات بعملية الخطف لا أكثر.
إلا أنّ هذه المعلومات بقيت في خانة "المشكوك بها"، بل إنّ بعض المصادر الصحافية ذهبت لحدّ الحديث عن أنّ صالح أدلى بـ"اعترافات" حول أسماء المخطّطين والمنفذين لعملية الخطف، وهو ما حرص أهالي المخطوفين على نفيه جملة وتفصيلا، بل ذهبوا لحدّ اعتبار صالح "مخطوفا" من قبل فرع المعلومات، الذي أكدوا عدم ثقتهم به على الاطلاق بوصفه "تابعا" لفريق سياسي معروف، على حدّ تعبيره.
وإذا كان التصعيد الأعنف صدر عن الحاجة حياة عوالي التي أعلنت أنّ "أي مواطن تركي في بيروت هو هدف لأهالي المخطوفين"، فإنّ التلويحات بقطع طريق المطار عادت لتطغى على ما عداها، وهو ما دفع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إلى رفضه سلفا باعتباره "خطا أحمر"، مؤكدا أنّ أهالي المخطوفين سيُحاسَبون في حال أقدموا على هذه الخطوة، كاشفا أنه أبلغ هذا الأمر إلى ذوي المخطوفين في اعزاز الذين زاروه، أمس، وانه ابلغهم أيضاً بأن عليهم الاتكال على الدولة، سواء لجهة متابعة موضوع المخطوفين، أو لجهة التحقيق في خطف التركيين، لأن الدولة هي المسؤولة عن الأمر وبيدها التحقيق في موضوع الخطف.
حكومة الأمر الواقع.. أمر واقع؟!
سياسيا، عاد الحديث عن حكومة "الأمر الواقع" إلى الواجهة على أكثر من صعيد، لدرجة بدا وكأنه تمهيد لتصبح هذه الحكومة عمليا "أمرا واقعا"، علما أنّ قوى الثامن من آذار حرصت على تأكيد رفضها لهذه الحكومة شكلا وتفصيلا بالكلام المعلَن والمبطَن.
وفي هذا السياق، لفت كلام عالي النبرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بدا وكأنه "استكمال" لما بدأه في خطاب عيد الجيش، حيث شدّد على وجوب تأليف حكومة جديدة في "أقرب الآجال"، وقال: "إذا أتاني رئيس الحكومة المكلف بمشروع تشكيلة سأدرسها، وإذا رأيت أن هناك مصلحة وطنية بالسير بها، لن أتردد في استخدام صلاحياتي"، وأضاف: "بالأمس، شكّلنا حكومة وبأكثرية من فريق واحد، ولم تَعتَدِ على حقوق بقية الفرقاء، فرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ملزمان دستوريا بالحفاظ على مصلحة الشعب اللبناني أكان أي فريق ممثلاً بالحكومة أم لا".
وكان لافتا أنّ تصريح سليمان تقاطع مع موقف "متقدّم" لرئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط شدّد فيه على وجوب "تأليف حكومة تنظم الخلاف السياسي وتحد من حالة التدهور الأمني والانكشاف شبه التام والتراجع الاقتصادي بدل البقاء في حالة المراوحة المدمرة أمنياً وسياسياً واقتصاديّاً واجتماعياً ومعيشياً وبيئيّاً".
وسط ذلك، برزت مواقف للسفيرة الأميركية مورا كونيللي جدّدت فيها وصف مشاركة "حزب الله" في الحكومة بأنها "عقدة كبيرة أمام تشكيلها"، معربة في الوقت نفسه عن قلق بلادها ازاء تسلل عناصر من "القاعدة" أو "جبهة النصرة" الى لبنان "لأن دخولهم يشكل خطرا على الجميع"، كما اعتبرت أنّ انتهاك حزب الله لإعلان بعبدا يقوّض الدولة اللبنانية، ويهدد بنقل لبنان من موقع التعامل مع التداعيات غير المباشرة للوضع في سوريا، إلى التورط المباشر في نزاع سوري أوسع.
كلمة أخيرة..
كثر خلال الساعات الماضية "التهكّم" من قبل البعض على أهالي المخطوفين في سوريا، ولم يتردّد البعض في "السخرية" منهم لأنهم "يرفعون الصوت"، بل ذهب البعض لحدّ وصفهم بـ"الشبّيحة" وغيرها من النعوت والأوصاف غير اللائقة بهم..
كلّ ذلك حصل وسط دعوات للاتكال على "الدولة"، اتكال حصل منذ عام ونيّف فكانت نتيجة أنّ قضيتهم باتت قضية "منسيّة" و"مهمّشة"، وأن أهاليهم بقوا مخطوفين لا يسأل عنهم أحد..
قبل "التهكّم" على من عانوا بصمت لأشهر طويلة، ليضع هؤلاء أنفسهم مكان أهالي المخطوفين ولو للحظة ويشعروا بـ"المرارة" التي يحسّون بها، لعلّ ذلك يكون كافيا لـ"يتوحّد" اللبنانيون أقلّه في قضية إنسانية نبيلة!