لم تكن دماء الشهداء الذين سقطوا ضحية تفجير الرويس قد جفت بعد. الدمار هائل، الأشلاء تنتظر التعرّف إليها والدخان يسدّ منافذ الضاحية الجنوبية. لم يستثن الإجرام أحداً، خطف أرواح كل من مرّ في الرويس يومها. لم تكن الغاية حزب الله ولا سلاحه ولا رجاله، هو الإرهاب الذي لا تستهويه الا الدماء. تفجير بئر العبد كان «بروفا» غير مرضية في غياب أي ضحية. كان لا بدّ من عمل آخر يوقع ضحايا من دون أي مواجهة. سريعاً غصّت الضاحية بالاستنكارات والشخصيات المتضامنة مع مأساة أهلها. نواب التيار الوطني الحر هنا وطبعاً حزب الله وحركة أمل. حضر أيضاً، في بادرة فاجأت الجميع، نائب رئيس حزب الكتائب سجعان قزي موفداً من رئيس الحزب أمين الجميل للتضامن مع «أهل هذه المنطقة التي قدمت منذ عهود الكثير من الضحايا وإيمانا بالوحدة الوطنية». ورأى القزي في تصريح من مكان الحدث أن «من قام بهذه العملية إما إسرائيل أو الجهات المتطرفة في سوريا»، مستنكراً توزيع الحلوى في بعض المناطق بعد تفجير الرويس. لم يرد الكتائب أن يستغل زيارة موفده سياسياً، فامتنع عن توزيع الخبر وتصريح قزي وفقاً لمصادر كتائبية. رغم ذلك لم يسلم الحزب من تعليقات بعض زملائه في قوى 14 آذار ومن انتقادات البعض على مواقع التواصل الاجتماعي: «كانوا يتمنون لو لم نقم بهذه الزيارة»، يعقّب المصدر. ولكن «هل كان المطلوب من أمين الجميل أن يعلن استنكاره وإدانته للحادثة كما وزير خارجية غواتيمالا مثلاً وكأنه غير معني بما حصل؟ أم كان الواجب يستدعي المبادرة بشكل إنساني وعفوي للتضامن مع المنكوبين؟». زيارة قزي لاقت ترحيباً من الأهالي والقاعدة الكتائبية ومواقع التواصل التي غصّت بالعبارات المؤيدة، فيما بادرت قيادات حزب الله الى الاتصال به لشكره على زيارته. لاحقاً أكدّ الرئيس الجميل في حديث تلفزيوني إصابة كل لبنان في تفجير الضاحية، لافتاً الى أن «هذا الحدث يجب أن يكون رسالة لكل الأحزاب واللبنانيين بأن لا أحد محصناً في البلد في ظل التشرذم والسجالات العقيمة التي تعطل المؤسسات خصوصاً الأمنية»، فيما اعتبر النائب سامي الجميل يوم التفجير «يوماً حزيناً في تاريخ لبنان» وتوجه بالتعازي الى أهالي الضاحية، داعياً الى التضامن معهم، «فالوقت ليس للكلام السياسي بل للاهتمام بضحايا الانفجار وبأهل المنطقة المستهدفة».

تضامن الكتائب وإيفاده القزي الى الضاحية ميّزا الحزب عن باقي قوى 14 آذار، وخصوصاً القوات التي غلفت استنكارها بمزيد من التحريض على حزب الله. لا همّ إن كان المستهدفون مواطنين أبرياء أو رضّعاً أو موظفين أو مارّين في الشارع، لا يمكن القوات أن تتعاطف مع أهالي الضاحية وتكتفي بذلك. حزب الله هو الضاحية والضاحية هي حزب الله، هنا يقف حدود التفكير القواتي. لذلك لا بدّ من الإدانة أولاً ثم الانقضاض على سلاح الحزب، فالفرصة مؤاتية لإعادة المعزوفة ذاتها للمرة الألف ربما: «نستنكر التفجير الذي استهدف منطقة الرويس (….) إنما لا اسقرار ولا أمن فعليين من دون قيام دولة فعلية في لبنان تمارس وحدها بأجهزتها العسكرية والأمنية الشرعية سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية»، الكلام هنا لرئيس حزب القوات سمير جعجع. أما النائب أنطوان زهرا فلم يتكبد عناء تقديم التعازي لأهالي الضاحية أو حتى استنكار ما حصل كما فعل جعجع، بل بادر بهجومه مباشرة وتحليل أسباب استهداف تلك المنطقة بالذات في حديث تلفزيوني تعليقاً على تفجير الرويس: «حزب الله المحصن أمنياً بدأ يستهدف، وهذا ما حول الصراع في سوريا الى شبه صراع في لبنان (….) مهما كان الهدف، فإن العلاج يكون بعودة الجميع الى كنف الدولة، لأن التجربة أظهرت أن الامن الذاتي لم يكن يوماً بديلاً من كنف الدولة اللبنانية». وأيضاً، «حزب الله ليس هو الضحية بل الشعب اللبناني، لأن ما يحصل اليوم هو انكشاف كامل للبنان، فالعنف يجر العنف والسلاح يجر السلاح والخطف يجر الخطف، ولم يسبق لفريق لبناني أن أعلن الدخول في حرب خارج لبنان دون موافقة أغلبية الشعب اللبناني مثلما فعل حزب الله». أيضاً وأيضاً، «على حزب الله إعادة النظر والتسليم بأننا نريد لبنان دولة بكيانه القائم». انتهى التصريح والمهمة تمت بنجاح. مهلاً، لا يمكن حدثاً أن يمرّ من دون ولو تغريدة للنائب فادي كرم: «حزب الله أدخل لبنان كله في المحظور، فهل يتخلى عن عنجهيته ويستمع للآخرين؟» يسأله أحد متتبعيه: «يعني سعادة النائب عم تبرر التفجير؟». لا جواب من كرم، فالتغريدة تتحدث. القوات واضحون في رسائلهم، لا ضرورة للتضامن أو حتى الاستنكار، فالمنطقة المستهدفة وضحاياها لا يعنيان زهرا ولا كرم ولا فريقهما الذي عاتب البطريرك بشارة الراعي سابقاً لعدم اتصاله وإصداره بياناً تضامنياً مع محاولة «الوردة» اغتيال جعجع حينها!

باختصار، يريد حزب القوات «قيام دولة فعلية في لبنان تمارس سيادتها على كامل الأراضي»، ولكنه يستنكر قيام تلك الدولة بمهماتها في عبرا. يريد دولة فعلية ولكنه يبيح لنفسه المطالبة بمحاسبة الجيش اللبناني. والدولة «الفعلية» تلك تشرّع حمل السلاح في طرابلس وعرسال فقط... وربما في معراب أيضاً. يريد جعجع دولة بعقلية فدرالية ترفض التعاطف مع مأساة لبنانيين عزل في الضاحية الجنوبية، وربما تعتبر التعزية فيهم جريمة... ثم يأتي الحديث عن التعايش والوحدة وطنية.