ما أصاب طرابلس من تفجيرين حصدا المئات من الضحايا والجرحى، وبعد المجزرة الاخيرة في الرويس التي لوعت أبناء الضاحية الجنوبية الى أعمال ارهابية في مناطق اخرى يثبت هذه المرة بالفعل وليس بالقول ان لبنان يسير على دروب العراق وما يعيشه منذ اعوام في بحر من الدماء وكابوس السيارات المفخخة والعبوات التي تجتاح بلاد ما بين النهرين والذي يحط رحاله اليوم في الربوع اللبنانية، وبغض النظر اذا كان المنفذون من المدرسة نفسها او من اصحاب طرق اخرى في قتل المدنيين واستهدافهم حتى لو كانوا في المساجد او في طريقهم الى اعمالهم، فإن لبنان دخل في مسلسل ستكون حلقاته قاسية اذا استمر.
وفي وقت كانت القوى السياسية وخصوصا قيادتا "حزب الله" وحركة "أمل" تنشغلان في تحليل الهدف من وراء اطلاق الصواريخ الاربعة في اتجاه نهاريا في اسرائيل والتي انطلقت من بساتين الحوش والملاصقة ارضها لمخيم الرشيدية في صور، حصلت مجزرة طرابلس، لتتزامن كل هذه الاحداث مع الاجواء الامنية الساخنة في الضاحية الجنوبية واكثر من منطقة لبنانية في ظل محاولات الاجهزة الامنية واصرارها على ملاحقة المجموعات الارهابية وفتح الاعين وجمع المعلومات عن هذه الخلايا فضلا عن التركيز على حركة الدخول والخروج الى المخيمات الفلسطينية وخصوصا في الجنوب وتنفيذ هذا الامر على قدر الامكانات المسموحة على الحدود المفتوحة مع سوريا.
وتأتي كل هذه التطورات المحلية مع تصاعد وتيرة المواجهات في سوريا والحديث عن نقل صواريخ وضبط اسلحة وكميات من المتفجرات. ولم يكن ينقص هذا المشهد المأسوي سوى ضبط شاحنة في حاصبيا محملة بكميات من الاقنعة الواقية للغاز وما اذا كانت ستهرب عن طريق جبل الشيخ الى مسلحي المعارضة، ليدخل اللبنانيون في اجواء اخطار السلاح الكيميائي حيث باتوا يشاهدون ضحاياه على مقربة منهم في سوريا وهم لم يختبروا آثاره القاتلة في بلدهم.
وكان أفرقاء 8 آذار قد تابعوا بدقة اهوال الهجوم الكيميائي الذي استهدف الغوطة الشرقية في ريف دمشق ولم يعلقوا عليها، وهم مصممون على كشف الجهة التي اقدمت على تنفيذ هذه المجزرة، على عكس مسارعة قوى اخرى عجلت في اتهام النظام بأنه يقف وراء هذه المجزرة.
ويأتي هذا الكلام في ظل تأكيد الجهات المحسوبة على النظام السوري انها ترفض من حيث المبادئ الانسانية والاخلاقية اضافة الى الدينية اللجوء الى هذا النوع من السلاح الذي صعّد من وتيرة الحدث السوري الساخن وفتح الطريق اكثر امام بعثة الامم المتحدة للسماح لمفتشيها بالتحقيق ودخولهم الى ريف دمشق لتحديد حقيقة ما حصل.
وكما هو معروف فإن "حزب الله" و"أمل" يمران في امتحان امني في الضاحية والجنوب والبقاع، لدرجة بدأ الحديث بين الاهالي في بيئات هذين الطرفين كيف سيبدأ العام الدراسي في اوائل ايلول المقبل وخصوصا في الضاحية رغم اتخاذ الاجراءات الامنية التي ينفذها عناصر الحزب في هذه المنطقة حيث ان اعدادا كبيرة من العائلات فيها توجهت الى بلداتها تخوفا من الوقوع في حمم الانفجارات، على غرار مذبحة الرويس والامر نفسه بات ينسحب على مدينة طرابلس.
ويبدو ان الامن الذاتي في هذه المنطقة سينتقل الى اماكن اخرى وبدأت تباشيره في عدد من احياء عاصمة الشمال الجريحة.
ووفق قراءة الحلقات السياسية الضيقة والتي تنشط في الفلك الشيعي فإنها ترى ان توقيت اطلاق صواريخ صور جاء، بحسب وصفها، بعد صعوبة ايصال السيارات المفخخة الى مناطق اصحاب هذه البيئة. لذلك فإن الجهة المنفذة ارادت ان "تلعب" في "الحديقة الخلفية" للحزب اي في الجنوب بغية اشغاله مع اسرائيل وتحديدا عند بوابة الجنوب والقرار 1701.
ولذلك، فإن الحزب معني في "لعبة الصواريخ" لأن تركيب منصاتها جرى في مناطق محسوبة عليه وهي لا تبعد سوى مسافة قصيرة من مخيم الرشيدية. والتحقيقات تشير حتى الآن الى ان حملها اصابع فلسطينية.
ويعتقد مطلقو الصواريخ انهم يساهمون في ارباك "حزب الله" وجمهوره اكثر وان هذا الامر يقلل من حضور مشاركة مجموعات من عناصره تقاتل في سوريا والذي يعتبر ان توجههم الى ريف القصير واحياء دمشق ومناطق اخرى مسألة تدخل في صلب استراتيجيته العسكرية، وهو يراقب في الوقت نفسه الصواريخ الكيميائية في الغوطة الشرقية وكيف تصور بعض الدوائر الغربية والعربية والمحلية في لبنان ان النظام هو المنفذ الحقيقي لاطلاقها مع ايمان قوى 8 آذار انه لن يقدم على مثل هذه الخطوة مع التشديد على اجراء التحقيقات المطلوبة في هذا الشأن.