اصطدمت دعوة رئيس حكومة "حماس" المقالة في غزة إسماعيل هنية الموجهة للفصائل الفلسطينية بتوسيع رقعة المشاركة في إدارة حكم قطاع غزة وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وانطلاق قطار الانتخابات المحلية والنقابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، برفض فصائل فلسطينية رغم تحفظ بعضها على إعلان موقفها من هذه الدعوة، في وقت اعتبر البعض أنها جاءت نتيجة المأزق الحقيقي التي تعانيه حكومة "حماس" في غزة، خصوصاً بعد سقوط محورها الأم، الإخوان المسلمين في مصر، ورأوا أنها تأتي لتكريس حالة الانقسام بين غزة والضفة الغربية، الأمر الذي نفته الحكومة وأكدت على أنها استطاعت إدارة أزمات أصعب من هذه.
وكان رئيس الحكومة المقالة دعا في وقت سابق إلى توسيع رقعة المشاركة في إدارة قطاع غزة إلى حين تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل الفصائل الفلسطينية.
لن نشارك في إدارة قطاع غزة
وفي هذا السياق، يوضح الأمين العام لحزب "الشعب" الفلسطيني بسام الصالحي أنّ المطلوب في هذه المرحلة هو معالجة حقيقية تضمن إنهاء الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، أكثر من توسيع رقعة إدارة الحكم في قطاع غزة.
وفي حديث لـ"النشرة"، يعتبر الصالحي أن دعوة هنية ناقصة، لافتا إلى أنها ركزت على معالجة خاصة لإدارة الحكم في غزة، سيما وأن المعالجة الشاملة تضمن وحدة الاراضي الفلسطينية ومستقبل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة معاً.
ويرى الصالحي أن المتغيرات الإقليمية التي نشأت وخصوصاً على مستوى مصر أثرت بشكل كبير على هذه الدعوة، خصوصاً أن المغزى الأبرز منها أن ما جرى في مصر بالنسبة للقضية الفلسطينية جعل أي أوهام بإمكانية بقاء غزة منفصلة أو جزءا من كيان مستقل في عمق الدولة المصرية تتبخر، ويقول: "لا مستقبل إلا في إطار دولة فلسطينية تشمل القطاع، ونحن لا يمكن أن نشارك في إدارة خاصة لقطاع غزة في ظل استمرار حالة الانقسام".
إعلان واضح من "حماس" بتمسكها بالانقسام
وفي الاطار نفسه، يرى المتحدث الرسمي لحركة "فتح" في الضفة الغربية أحمد عساف أن دعوة هنية تمثل إعلانا صريحا وواضحا من قبل حركة "حماس" بتمسكها في الانقسام وتخليها عن كل الاتفاقيات الموقعة معها في ما يتعلق بملف المصالحة.
وفي حديث لـ"النشرة"، يؤكد عساف أن حركة "حماس" تتخبط وتعيش في حالة من الهستيريا بسبب لعبها على الحبال ما أدى إلى فقدانها لمحاورها الرئيسية، بعدما كانت تعيش ضمن محور سوري إيراني، لكنها انقلبت على هذه المحاور وتآمرت عليها فضلاً عن أن محور الإخوان انهار، على حد قوله.
ويشدد عساف على أن الحل الوحيد لخروج "حماس" من أزمتها هو العودة إلى الصف الوطني وتغليب مصالح الشعب الفلسطيني على مصالحها الشخصية وارتباطاتها.
ضغوطات مورست على الفصائل
ورغم مواقف معظم الفصائل الفلسطينية التي عبرت عن رفضها لهذه الدعوة، وخصوصاً حركة "فتح" أكبر الفصائل المعارضة لها، إلا أن الناطق الرسمي باسم الحكومة المقالة في غزة إيهاب الغصين يتحدث لـ"النشرة" عن ضغوطات قد تكون مورست على هذه الفصائل، معربا عن اعتقاده بأن حركة "فتح" ربما هي من مارست هذه الضغوطات.
ويوضح الغصين أن الموقف الأولي لبعض الفصائل، وبينها الجبهة الشعبية والديمقراطية، كان مرحبا في اليوم الأول بدعوة هنية، إلا أن هذا الموقف تغيّر في وقت لاحق، ويقول: "يبدو أن بعض الضغوطات مورست عليهم وتم اصدار بيانات تتناقض مع هذه الترحيبات الأولية من قبل الجبهتين".
ويشدد الغصين على أن الدعوة تنطلق من قناعة وإيمان حركة "حماس" وحكومتها بأن الوحدة والشراكة في العمل هما الأفضل للشعب الفلسطيني وقضيته مع التأكيد على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وفق البنود المتفق عليها.
وحول اعتبار أن الدعوة جاءت نتاج أزمة تعيشها "حماس" وحكومتها، يقول الغصين: "نحن عشنا فترات أصعب في غزة بكثير من الفترة الحالية، خصوصاً الحصار الذي فرض بعد حالة الانقسام وإغلاق المعابر ونظام عدائي لنا كنظام الرئيس السابق حسني مبارك في مصر ومؤامرات أمنية من حركة فتح واستطعنا إدارة الأزمة".
ويلفت الناطق باسم الحكومة المقالة إلى أن محاولة ربط الدعوة بما يُحكى عن أزمة، كلام ليس دقيق، مشيراً إلى أن "حماس" تنطلق من قناعتها ومسؤوليتها وجديتها في اتخاذ القرارات.
أزمة حقيقية تعيشها "حماس"؟!
"حماس" فقدت معسكر تحالفاتها عربياً وإقليمياً" هذا ما يؤكده المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر إبراهيم أبراش، مشدداً على أن هذه الدعوة تعبر عن وجود أزمة حقيقة تعاني منها "حماس" في غزة، واحساسها أنها فقدت شعبيتها داخلياً وخارجياً.
ويشير أبراش، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن "حماس" تريد أن تحافظ على استمراريتها في قطاع غزة من خلال إشراك الآخرين معها في إدارة القطاع، لافتاً إلى أن هذه الدعوة خطيرة ومرفوضة بالمطلق، لأنها تظهر المشكلة الفلسطينية وكأنها فقط في إدارة قطاع غزة ومن يحكمه في حين أن المشكلة الكبرى هي في القضية الفلسطينية وإنهاء الانقسام ككل وليس إدارته.
ويوضح أبراش أنه ليس بهذا المنطق الخاطئ يجري التعامل مع الأزمة على مستوى إدارة قطاع غزة، مشيرا إلى أن حركة "حماس" بهذه الطريقة تعتبر أن "غزة" هي ملكية خاصة لها وهي تطلب من الآخرين أن يشاركوها إدارتها.
ويرى المحلل السياسي أن الإرادة الحقيقة لتغيير الأوضاع في قطاع غزة، تكمن من خلال الدعوة لإجراء الانتخابات التي هي التي تحدد من يحكم قطاع غزة.
ويبدو أن الظروف السياسية الإقليمية المحيطة، وخصوصاً سقوط الإخوان المسلمين في الدولة العميقة التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لغزة، وتداعياته على صعيد الأوضاع الاقتصادية على وجه التحديد وأزمة معبر رفح الذي يعتبر المنفذ الوحيد لغزة تجاه العالم، دفعت "حماس" لتوجيه هذه الدعوة التي يلاحظ أنها لن تؤتي أكلها بعض هذا الرفض الفصائلي.