لا اعتقد ان تقبل الهزيمة سيكون سهلا على من ادعت قيادة العالم و عملت على استباحة كل حق من اجل مصالحها و مصالح اسرائيل ، نعم لا اعتقد ان اميركا ستتقبل النتائج المخيبة و المخزية لها اثر المواجهة التي اختلقتها و صنعتها لنفسها في وجه سورية و محور المقاومة. فاميركا التي قادت الحرب الكونية ضد سورية منذ نيف و 30 شهرا ، و تقلبت في مراحل المواجهة و ارتقت فيها من مرحلة الى اخرى حتى وصلت الى المرحلة الاهم في هذا السياق و هي مرحلة الظهور العالني المباشر على مسرح المواجهة والاضطلاع بالقيادة العلنية الصريحة للحرب عبر التهديد بشن عملية عسكرية ضد سورية ، وصفتها بانها محدودة و ضيقة ، و لكنها بعد ان حددت ساعة الصفر لانطلاقها اجبرت على التراجع في جو من العزلة و التخبط و الارتباك غير مسبوق في التاريخ الاميركي الحديث خاصة في العقود الثلاثة الماضية . تراجع لا يمكن لاحد ان يبعده عن التوصيف الموضوعي بانه هزيمة ، و انه نصر لسورية و محورها و جبهة الدفاع الدولية عنها ، فنصر المدافع كما هو ثابت في القواعد العسكرية هو ان يتمكن من حمل المهاجم على التراجع عن هجومه بعد ان يبدي من التدابير ما يقنع المهاجم بان هجومه لن يحقق الاهداف المتوخاة و انه لن يتحمل تداعياته على نفسه و حلفائه .
أ. لقد استطاعت سورية و محور المقاومة و الجبهة الدولية الحاضنة ، ان تقوم بالمواجهة وفقا لما يفرضه الموقف ، ما حمل اوباما على التراجع المؤقت ظاهرا عن تهديده و الذي من المرجح – حتى لا نقول من المقطوع به – ان يكون تهائيا و طي ملف العدوان على سورية ، تراجع سببته قوة الدفاع التي تجلت :
1) على الصعيد السوري : عسكريا اولاً بما قام به الجيش العربي السوري من تحضير و استعداد للدفاع في اتجاهين داخلي ضد الارهابيين و عبر الحدود ضد المخدوم اصلا بالعدوان – ان حصل – اسرائيل ، تحضيرات ترافقت مع استمرار العمليات العسكرية في ريف دمشق بشكل مؤلم و مؤثر ، وشعبيا ثانيا و تمثل بتماسك السوريين عموما و الدمشقيين خصوصا و و التفافهم حول دولتهم و استعدادهم للمواجهة و عدم انصياعهم لما يبتغيه العدو من ذعر في صفوفهم و فوضى في شارعهم ، و ثالثها ما ابدته القيادة السياسية السورية من ثبات و عزيمة و صلابة في التمسك بالحقوق و الثوابت الوطنية من حق الدفاع المشروع عن النفس الى السيادة الوطنية و القرار المستقل ، و قد كان الموقف السوري الذي عبر عنه وزير الخارجية قاطعا في هذا الاتجاه .
2) على صعيد باقي مكونات محور المقاومة ، حيث كانت المواقف الايرانية االمتدرجة و التصاعدية قاطعة في ابلاغ من يعنيه الامر ان سورية ليست وحدها و ان حربا تشنها اميركا عليها لن تبقى محدودة كما تروج اميركا بل ان نيرانها ستلف الجميع بدءا باسرائيل السبب و العلة الاساس في كل ما يجري و لن توفر احدا ممن سيشارك في العدوان ، اما حزب الله فقد اعتمد سياسة الصمت المدوي الذي ارعب العدو و اذهل الجميع الذين جهدوا في البحث عن اجابة على سؤال "ماذا سيفعل حزب الله ؟" ، و لم يجدوا الا ما كان قد قاله السيد حسن نصرالله في مواقف سابقة ان الحزب سينتقل ان اقتضى الامر كله الى سورية و بقيادته شخصيا من اجل الدفاع عن المقاومة و محورها ، و ان االمقاوميين عليهم ان يتوقعوا امرا بالعمل على ارض الجليل عندما تتحقق الشروط .
3) على الصعيد الروسي و الصيني ، نجد الحزم و الصلابة و من الانصاف ان نقول ان روسيا خاصة و بنجاح منقطع النظير خاضت و لمدة اسبوع كامل معركة دبلوماسية – سياسية ذات ابعاد عسكرية ، اعتمدت فيها الحنكة و الدهاء ما جعل الخصم يتخبط فيقع في الكمين اولا ثم يجد نفسه في وضع مأسوي ان ذهب الى الحرب خلافا للقانون الدولي لان في الامر اعتداء يبررر لكل متضرر ان يدافع عن نفسه بالطرق المتاحة .
ب. و في المقابل كان فشل للدبلواسية الاميركية ، في ايجاد مرجعية دولية للعدوان ، فشل يمكن وصفه بانه غير مسبوق في تاريخ السياسة الخارجية الاميركية الحديثة ، تجلى بعد اقفال باب مجلس الامن بوجهها ، في امتناع الحلف الاطلسي عن تغطية العدوان و امتناع معظم دوله المؤثرة عن الاشتراك فيه او دعمه ، الى ان كانت الكارثة السياسية الدبلوماسية في انسحاب بريطانيا – حليف اميركا الاستراتيجي الاول في العالم – انسحابها من االمعركة . لقد وجد اوباما نفسه معزولا دوليا و لم يجد الا فرنسا الخاوية القوى و قشة الجامعة التي كانت تسمى عربية و انقلبت الى جامعة الخونة للقضية العربية ، التي قدمت له العباءة المهترئة المصنعة من صوف النعاج التي ترعى في مراعي عربية و تخدم اعداء العرب و في طليعتهم اسرائيل . و طبعا يعرف اوباما ان هذا لا يكفي ليجعل تحالفه العدواني ذو بعد دولي يمكنه من تجاوز القانون الدولي و يسقط صفة العدوان تحت ذريعة التدخل الدولي الانساني ...
ج. اما في ما بعد انطلاق الرصاصة الاولى و رغم ان اوباما قال ب " المحدودية و التضيق " لمجال العدوان ، فان عسكرييه يعرفون جيدا بان الحرب لا يتحكم بمسارها الا من يملك القدرة على سحق عدوه و اقتياده الى احد انهياريين : ادراكي او ميداني ، الامر غير المتوفر في الساحة السورية ، في ظل اصرار سوري و عزيمة من محور المقاومة على تحويل الحرب ان اندلعت شرارتها الى حرب مفتوحة لا تتوقف الا بعد ان تطيح بمصالح اميركا و موقع اسرائيل في المنطقة و هذا جوهر ما ذهبت للتأكيد عليه مجمل المواقف الايرانية المعلنة على لسان جميع المسؤوليين الرئيسين المعنيين بالحرب و الدفاع .
د. لهذه الاسباب ( قوة الدفاع ، و فشل اميركا من تكوين التحالف الدولي العدواني اللازم ، و خشية اميركا من انفلات الامر من يدها و اقتحام النار الكيان الاسرائيلي ) اضطر اوباما للتراجع القسري عن تهديده مطهرا التمسك به ثم مبررا تراجعه بمواقف و ذرائع واهية من اجل اخفاء حقيقة هزيمته ، ذرائع من قبيل القول برغبة في احترام قواعد الديمقراطية و الدستور رغم ان في التراجع مس بصلاحيته الدستورية . و نحن نرى ان اوباما توسل التشاور ثم التصويت في الكونغرس حتى يتنصل من تحمل الهزيمة منفردا ، و ليعطي نفسه و دولته الوقت الكافي لاسيتعابها في مرحلة اولى و اعادة البحث عن سبل التعويض في مرحلة الثانية و هنا يطرح السؤال عما يخفيه المستقبل ، و كيف ستتصرف اميركا حيال تعهد اوباما بالعدوان على سورية ؟
من البديهي ان يكون السلوك الاميركي واحد من موقفين وفقا لما يفترض ان يكون بحسب المنطق و اصول التقدير الاستراتيجي و العسكري ،( لا ننافش المماطلة و التجميد في الكونغرس ) بل سيكون الوضع في واحد من اثنين :
1) احجام الكونغرس عن الموافقة على الحرب التي اعلنها اوباما ، احجام لن يتشكل الا اذا استمرت قائمة العوائق التي منعت اوباما من تنفيذ تهديده ، و هنا نرى اتركيز على اهمية تكثيف الجيش العربي السوري لعملياته العسكرية في ريف دمشق حتى لا تستهلك المدة اللازمة للقرار في الكونغرس ( من اسبوعين الى ثلاثة ) الا و يكون الارهابيون هناك في خبر كان ، و يضاف الى ذلك استمرار المواقف السياسية التي ابدتها سورية و ايران و حزب الله و روسيا و الصين في المستوى العالي المؤثر ، مع التأكيد على ان النار اذا اندلعت لن توفر اسرائيل و منذ الساعات الاولى . هنا سيشكل الكونغرس السلم الذي ينزل القرد الاميركي عن الشجرة التي صعد اليها اوباما بوضعه االخطوط الحمر التي لا يستطيع ان يحميها و ستدخل الحرب الاوبامية المعلنة في خبر كان و تنتهي بذلك هيبة اوباما في السنة الاولى من ولايته الممدة و هنا سيكون نصر استراتيجي لخصومه سيؤثر في مجمل الازمة السورية و المنطقة .
2) اقدام الكونغرس على الموافقة على العملية العسكرية ، و رغم ان هذا الاحتمال ضعيف جدا ، الا اننا لا نستطيع الا ان نأخذه في الاعتبار و ندخله في دائرة النقاش ، و لن تأتي هذه الموافقة الا اذا تمكنت القيادة الاميركية من معالجة الفشل في تكوين التحالف الدولي ضد سورية ( احتمال شبه معدوم ) و من نجاحها في حرب نفسية و اعلامية ضد سورية حلفاءها من اجل تآكل القوة( و هو احتمال لا يفكر به الا مقامر امتهن الخسارة ) ، و من تمكن اسرائيل من الطمأنينة الى دفاعاتها و تجنبها العقاب من جبهة االمقاومة و هذا امر ليس بيد اسرائيل فرص تحقيقه .
لهذا نرى ان الاحتمال الارجح سيكون العمل الاميركي بالطريقة البريطانية و التنصل من التهديد الارعن الذي اطلقه اوباما ضد سورية خدمة اسرائيل ، و يكون رفض الكونغرس الاميركي للحرب منتظرا ليشكل حبل النجاة الذي يلقى لاوباما للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه بالتهديد بعدوان على سورية غير ممكن النجاح في تحقيق اهدفه. و كما قلنا في الاسبوع الماضي ان اميركا لن تجرؤ على العدوان ، نقول اليوم ان اميركا لن تعوض الهزيمة .