سجّل المؤتمر التحضيري الأول للقاء المسيحي المشرقي، أمس، خرقاً في الحياة السياسية والبرلمانية والحكومية المعطلة منذ أشهر، فضمّ حشداً سياسياً ودينياً. أما العناوين الرئيسية فتنطلق من «الهواجس المسيحية» في ظل الأزمات العربية الراهنة وسبل النهوض بالتعاون مع الصرح البطريركي وتحت رعايته

يهوى نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، اللقاءات المسيحية، فلا يكاد ينتهي من لقاء ليُشرَع بإعداد آخر. تتبدل الشخصيات وتختلف أسماء المؤتمرات، ويبقى الفرزلي الثابت الوحيد فيها. قد يكون اللقاء المسيحي المشرقي الذي عقد أمس في بيت عنيا في كسروان مشابهاً لكل محاولات ابن البقاع السابقة وغير الناجحة لجمع المسيحيين، الا أن الفشل لا يرسل «دولته» الى التقاعد.

يوم أمس كان للفرزلي وزملائه، رئيس رابطة السريان حبيب افرام ورئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني والسفير السابق عبد الله بو حبيب والزميل جان عزيز وغيرهم، ما أرادوه. عجّت الصالة برجال الدين، أبرزهم ممثل الكاردينال بشارة الراعي النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش، مطران زحلة للسريان الأرثوذكس بولس سفر، متروبوليت صيدا وصور للروم الارثوذس المطران الياس كفوري، النائب البطريركي لأبرشية بيروت لطائفة السريان الكاثوليك المطران يوحنا جهاد بطاح، مطران بيروت للكلدان ميشال قصارجي، رئيس مؤسسة «لابورا» الاب طوني خضرا والرئيس الأقليمي لرهبنة الفادي الأقدس الأب إيلي صادر وغيرهم. كان من الضروري إلباس اللقاء «المسيحي المشرقي» حلة دينية للانطلاق نحو مختلف القوى والأحزاب السياسية، ولاحقاً نحو دول الشرق الأوسط. واللافت عدم حضور بقرادوني للمؤتمر بسبب مشاركته في مؤتمر «التحديات التي تواجه المسيحيين العرب» الذي يرعاه الأردن وتشارك فيه شخصيات دينية ورؤساء كنائس من الشرق الأوسط وسائر العالم. المشاركة تلك بحدّ ذاتها تُعَدّ نجاحاً أولياً للقاء اللبناني الحديث، في نظر مؤسسيه.

طالت مدة انعقاد المؤتمر التحضيري أمس، فاستمرت ثماني ساعات متتالية، تخللتها مداخلات حول محورين (الأول داخلي والآخر خارجي) لأكثر من 40 شخصية دينية وسياسية. خصصت الحلقة لطرح أسئلة عن هواجس المسيحيين القديمة والجديدة من توطين الفلسطينيين، خصوصاً اذا لم يقر حق العودة، الى التهجير القسري للمسيحيين من الدول العربية، وصولاً الى الأزمة السورية والوضع اللبناني. لاحقاً جمعت القضايا المطروحة على ورقة تحضيرية ستوزع على اللجان المتخصصة التي أنشئت لإعداد آليات المواجهة والحلول المقترحة. ووفقاً للفرزلي، ستنطلق اللجان بعملها بدءاً من اليوم، حيث سيعنى بعضها بالدستور وقانون الانتخاب، وبعضها الآخر بالاقتصاد واللامركزية الادارية، فيما تتولى لجنة ثالثة معالجة حقوق الانسان ورابعة التواصل مع المشرقيين في مختلف دول العالم وخامسة تهتم بمسألة بيع الأراضي. الى جانب تلك الأوراق، ورقة من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وضعها الفرزلي في عهدة بكركي. لاحقاً «سيتم جمع كل تلك الأوراق في ورقة نهائية ستعتمد كميثاق مسيحي وطني يظلله الصرح».

ويؤكد المؤسسون أن الكاردينال بشارة الراعي سيؤدي دوراً رئيسياً من خلال احتضان اللقاء ورعايته، بعد أن «أصبح السكوت عما يجري بحق المسيحيين جرماً لا يغتفر». فكان لا بد أن «ننتقل من موقع المتفرج الى موقع الفاعل في منطقة تتغير وتتفجر حولنا وأزمة نظام سياسي تتعمق وتتفاقم عندنا». واللقاء أشبه بصرخة للتأكيد «أن مسيحيي لبنان والمنطقة ليسوا جاليات غريبة في اوطانهم، ولا رؤوس جسور على شطآنهم ولا مستشرقين ولا مستغربين ولا متغربين عن أصولهم وجذورهم». أما عن اقتصار حضور الأحزاب اللبنانية على ممثلي التيار الوطني الحر الوزيرين جبران باسيل وسليم جريصاتي والممثل عن حزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، فلا يجده الفرزلي عائقاً، ما دامت جولاته مستمرة باتجاه جميع الأطراف... حتى معراب! وفي رأيه «لا يمكن القادة المسيحيين التهرب من هذا المشروع المسيحي الذي سيحمّل من يرفضه عبئاً شعبياً وكنسياً لا قدرة لأحد على انعكاساته».

يطمح أعضاء اللقاء من نواب سابقين كمخايل الضاهر ومروان أبو فاضل وعبد الله فرحات واميل اميل لحود، ووزراء سابقين كالياس حنا وجورج قرم ويعقوب الصراف، اضافة الى بعض السفراء وأفراد من قدامى القوات واقتصاديين، الى مأسسة فكرتهم لتغدو اجتماعات شهرية يليها مؤتمر كبير سيعقد في 7 تشرين الأول ويتوقع أن يضم نحو 500 شخصية سياسية ودينية من مختلف البلدان. فضلاً عن فتح باب الانتساب لكل من يؤمن بأفكار المسيحيين المشرقيين ومشروعهم.

وقد أصدر المجتمعون في ختام المؤتمر التحضيري الأول بياناً تضمّن أسساً ومبادئ وخريطة طريق سيعتمدونها، أولها «القطع مع كل تبعية او وصاية او هيمنة من الخارج، لكن من دون انعزال ولا انطواء»، بل عبر «الانفتاح على العالم، والتزام الانتماء الى محيطنا العربي والمشرقي»؛ ثانيها «تبني مشروع الدولة الواحدة في الداخل: دولة الوحدة في التنوع والعدالة في الاختلاف»، وثالثها التأكيد أن «مصالحة بعض الإسلاميين في منطقتنا مع مصالح البعض في الغرب لا تكون بإحراق كنائس مصر، ولا تمر بتهجير مسيحيي العراق، ولا تتعزز بخطف أساقفة سوريا وذبح مؤمنيهم، ولا تترسخ بتفريغ فلسطين من معنى بشارتها وقيامتها، ولا تقوم الا بالحفاظ على مسيحيي لبنان وعدم استتباعهم او استيلاد سياسييهم ومسؤوليهم في الحاضنات الاصطناعية». لذلك لن يقبل المجتمعون «بديموقراطية تُبنى على إحراق ديموقراطيتنا»، مجددين التزامهم الإرشاد الرسولي الخاص بلبنان الذي وقعه البابا يوحنا بولس الثاني بعد 77 عاماً على إعلان لبنان الكبير، ورافضين أي محاولة توطين مزمنة أو جديدة. وفي النهاية، توجه البيان الى القوى المسيحية اللبنانية عبر مدّ اليد للعمل معاً، «فسقوط لبنان سيكون سقوطاً للجميع... ولن نقبل بسقوط اي حق وسنقاوم لنحفظ كل الحقوق».