أثارَ قرار محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضية اليس شبطيني بالمصادقة على قرار قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض ابو غيدا بترك الموقوف رئيس مجلس قيادة "حركة التوحيد الإسلامي" الشيخ هاشم منقارة بسند إقامة، صدمةً مدوّية لدى القضاء اللبناني أوّلاً والرأي العام والإعلام اللبناني ثانياً.
هذا القرار يُشكّل سابقة قضائية في جريمة إرهابية سقط فيها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، واستناداً إلى القانون وتحديداً إلى المادة 398 من قانون العقوبات اللبناني، يعاقب كلّ شخص على علم بجناية بحقّ أمن الدولة على أراضيها بالحبس لمدة تترواح من سنة الى سنتين.
وفي المعلومات أنّه خلال التحقيق الذي أجري لدى فرع المعلومات بحضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، حصلت المواجهة بين منقارة والشيخ أحمد الغريب، ليتبيّن بعد ذلك للمحققين أنّ منقارة اعترف بأنّه إرتكب جرم "كتم معلومات" في ملفّ التفجيرين في طرابلس، وبذلك يكون قد أخفى معلومات.
وهنا تطرح الأسئلة التي يُعتبر السكوت عنها جريمة في حق الرأي العام الذي تدور في ذهنه علامات استفهام حول هذا القرار القضائي المفاجئ: ألا يشكّل اعتراف منقارة في فرع المعلومات بارتكابه الجرم دليلاً ساطعاً على تطبيق المادة 398 من قانون العقوبات اللبناني؟ ومن ثمّ، لماذا أوقف لمدّة طويلة رهن التحقيق طالما إنّه بريء؟ ولماذا أُحيل الى المحكمة العسكرية طالما أن لا أدلّة قانونيّة حسّية تثبت تورّطه؟ ألا يكرّر القضاء اللبناني سيناريو "شادي المولوي" عينه، والكلّ كان يعلم ما كان لهذا القرار من تداعيات على الساحة الطرابلسية، وتحديداً من الناحية الأمنيّة، بحيث ساهم المولوي في تغذية الروح السلفية الموجودة في المنطقة؟ وفي اختصار، السؤال موجّه الى القاضية شبطيني حول الأسباب التي اعتمدتها لإخلاء سبيل منقارة؟ وهل إنّ معرفة معلومات تتعلق بالتفجيرات قد حصلت قبل أن يصبح هذا الموضوع مسألة قضائية، وبالتالي لا ينطبق نصّ المادة 398 على وضع منقارة، ولذلك أُخلي سبيله؟
هنا تؤكّد مصادر قضائية أنّ تلك المادة القانونية وضعت للتطبيق في حالات مماثلة، بحيث أنّ امتلاك شخص معلومات أمنيّة خطيرة سيؤدّي في نهاية المطاف الى جريمة بشعة، فكيف إذا كان الضحايا من طائفة معيّنة، ألا يعزّز إخفاء منقارة هذه المعلومات الحربَ المذهبيّة وروحَ الفتنة التي تهدّد أمن الدولة وسلامة أراضيها، وبالتالي عملية تحفّظه وإخفائه للمعلومات وعدم إخبار السلطات اللبنانية الأمنيّة تثبت مشاركته في الجرم معنوياً، إذ كان في الإمكان تجنّب التفجيرين لو وصلت المعلومات إلى أصحاب الاختصاص؟
وعندما أُحيل منقارة الى محكمة التمييز العسكرية ـ الغرفة الجنحية، وهي تتألف من رئيس ومستشارين، حيث تمّ النظر في الملف في غرفة المذاكرة بين القضاة المعنيين ومن ثمّ إتخذ القرار بأكثرية الحاضرين، نسف منقارة كلّ اعترافاته في فرع المعلومات وأُخلي سبيله فوراً. وهنا يُعتبر سكوت فرع المعلومات عن الموضوع خطيراً، لأنّ عدم الكشف عن محضر التحقيق وإبقاء الرأي العام والإعلام في حالة التضليل أمرٌ غير مقبول، إذ إنّ المطلوب اليوم من فرع المعلومات تحديداً الخروج عن صمته وتبيان الحقيقة للسطات القضائية والأمنيّة وللرأي العام اللبناني.
ويبقى السؤال: إذا كان منقارة بريئاً، فلماذا استغرق التحقيق معه كلّ هذا الوقت؟ ولماذا طُلِب توقيفه؟ ولماذا ميّز القاضي صقر قرار إخلاء سبيله؟ ولماذا جعله ضحية ومظلوماً؟ واذا كان منقارة مذنباً، فلماذا أُطلق سريعاً ومن دون التوسّع في التحقيق معه ومع الغريب والمخبر الموقوف مصطفى الحوري؟ ولماذا ضُربت صدقية فرع المعلومات وجدّيته في أداء واجباته حتى يطلّ منقارة على الإعلام أمس مطالباً بمساءلة الفرع، بعدما كان هذا الفرع يطالب المحكمة العسكرية بمحاسبته؟ وما هي الضغوط التي مورست؟
وهل يمكن بكلّ بساطة لمن اعترف أمام التحقيق الأوّلي بعد خضوعه لآلة كشف الكذب أن يتراجع عن كلّ اعترافاته بحجّة الضغط النفسي، كما قال منقارة عن الشيخ الغريب؟