شغلت بلدة معلولا السورية الأوساط العالمية، خلال الأيام الأخيرة، بعد الأنباء عن قيام مجموعات تابعة للمعارضة السورية المسلحة بالإعتداء عليها، لا سيما أن لها رمزية تاريخية ودينية هامة لدى الطوائف المسيحية، لكن حتى الساعة لم تتوضح الصورة لدى الرأي العام المحلي والعالمي حول حقيقة ما جرى في البلدة.
الثابت حتى الآن هو أن الأوضاع في البلدة كارثية بعد أن تركها معظم سكانها، وأن هناك إشتباكات داخلها تحصل بشكل متقطع بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، لكن ماذا تقوى قوى المعارضة المتهمة بالقيام بالإعتداءات؟
المعارضة تتابع الموضوع
منذ اللحظة الأولى، وجهت الإتهامات إلى قوى المعارضة بالوقوف وراء ما يجري في بلدة معولا، لا سيما أن جبهة "النصرة" الإسلامية، إحدى أهم كتائبها المسلحة، أعلنت عن مسؤوليتها عن العملية التي استهدفت حاجز الجيش السوري في البلدة ومن ثم دخولها إليها، لكن الأنباء التي تحدثت عن الاعتداءات التي حصلت دفعتها إلى الاعلان عن انسحابها منها، وتوجيه الإتهامات إلى النظام بالوقوف وراء هذه الاعتداءات.
وفي هذا السياق، يؤكد عضو المجلس الوطني السوري أسامة ادوارد أن الموضوع يتابع من قبل أعضاء المجلس، وينفي كل المعلومات التي تصدر عن جهات تابعة للنظام السوري لأنها لا تمتلك أي مصداقية من وجهة نظره، ويشير إلى أن التجربة تؤكد على هذا الأمر.
ويشدد ادوارد، في حديث لـ"النشرة"، على أن المجلس لا يزال في طور التأكد من كل المعلومات التي تصل إليه، لكنه يشير إلى أن مصدر معلوماته ليس رجال الدين في البلدة بل بعض الناشطين المدنيين، ويلفت إلى أن لا ثقة لديه بأي من هؤلاء الرجال لأنهم من أتباع النظام السوري وسيسقطون معه.
من جانبه، يؤكد العقيد في "الجيش السوري الحر" مالك الكردي أن سعي هذا الجيش إلى السيطرة على كل المناطق، لا سيما الاستراتيجية منها كمعلولا التي تشرف على طريق دولي مهم جدا، أمر طبيعي، ويؤكد أن هناك كتائب هاجمت قبل أيام حاجز الجيش السوري من أجل السيطرة عليه، ويعترف بأنها دخلت إلى البلدة لكنه يتهم قوات النظام بالقيام بالاعتداءات من خلال الرد الذي قامت به.
ويوضح العقيد الكردي، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه الكتائب قررت الإنسحاب من البلدة كي لا يقوم الجيش السوري بتدميرها، ويؤكد أن أي اتهام لها بالإعتداء على معالم دينية أمر مرفوض بشكل مطلق من قبلها، ويشير إلى أن قوات النظام هي التي تمتلك السلاح الثقيل القادر على تدمير المباني والممتلكات لا كتائب المعارضة، بالرغم من تأكيده أن قيام بعض المجموعات المتطرفة بتجاوزات أمر وارد.
"النصرة" مع النظام أم المعارضة؟
على الرغم من ذلك، هناك العديد من الروايات التي تتناقلها الأوساط السورية المعارضة حول دور جبهة "النصرة" بالذي حصل، لكن المشكلة هي في الإختلاف حول هوية الجبهة، حيث يعتبرها البعض من أتباع النظام، في حين يؤكد البعض الآخر أنها جزء أساسي من قوى المعارضة المسلحة.
وفي هذا الإطار، يشير ادوارد إلى أن المستهدف من العملية التي قامت بها قوى المعارضة هو حاجز الجيش لا معلولا، وينفي حصول أي اعتداءات من قبل "الجيش السوري الحر" على أهالي البلدة على الإطلاق، ويتحدث عن وجود رواية تشير إلى دخول مجموعتين الأولى من "الجيش الحر" أما الثانية التي دخلت لاحقاً تابعة لجبهة "النصرة"، ويلفت إلى أن السوريين يعرفون جيداً من اخترع هذ الجبهة.
ويوضح ادوارد أن الجبهة هي مجموعة ارهابية متطرفة لا علاقة لها بـ"الجيش الحر"، ويشدد على أن أي مجموعة غير تابعة لرئاسة الأركان ولا تأخذ التعليمات من اللواء سليم إدريس لا علاقة لها بهذا الجيش، ويؤكد أنه في حال ثبت قيام الجبهة بأي انتهاكات في معلولا ستتم إدانتها من قبل قوى المعارضة.
من جانبه، يؤكد العقيد الكردي في مفارقة لافتة أن "النصرة" موجودة في كل المناطق، ويشير إلى أنها الفصيل الأقوى على أرض الواقع كونها تحصل على دعم كبير من الدول الغربية لأهداف باتت معروفة لا مجال للخوض بها هنا، ويلفت إلى أنه من الطبيعي جداً أن يستفيد "الجيش الحر" من القدرات التي لديها ومن العمليات التي تقوم بها، ويشدد على أن الجانبين ليسا في وارد الصدام في الوقت الحاضر لأن الهدف الأساسي هو إسقاط النظام.
ويوضح الكردي أن الجبهة كانت مشاركة في العملية التي استهدفت حاجز الجيش السوري في معلولا، لكنه يلفت إلى أنها لا تقاتل مع "الجيش الحر" إلا أنها تنسق معه في إطار محدود، ويُفسر الإتهامات التي توجه إلى الجبهة من خلال الحديث عن ثلاثة جهات بداخلها، الأول مخروق من قبل النظام، والثاني يعمل لجهات خارجية، في حين أن الثالث يقاتل من أجل أهداف الثورة.
في المحصلة، هناك حالة من الالتباس التي تعجز قوى المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري عن حلها، تتعلق بالجهة التي تمسك بزمام الأمور على الأرض، حيث من غير المقبول أن تستمر في حالة عدم القدرة على تحديد هوية جبهة "النصرة"، ومن غير الوارد الحديث عن أنها تقاتل خدمة للنظام، في حين هي نفسها تعترف بأنها الفصيل المعارض الأقوى على أرض الواقع.