كان من المفترض أن ترسم «المشورة»، التي أدخلها حزب الكتائب الى نظامه الداخلي، سابقة في الديموقراطية الحزبية عبر انتقاله من التعيين الى الانتخاب. إلا أن آخر ما كان يتوقعه منسق اللجنة المركزية في الحزب النائب سامي الجميل أن تعيد هذه الديموقراطية إدخال صهره السابق ميشال مكتف الى صالون بيته الداخلي

يضيف حزب الكتائب، في السادسة من مساء اليوم، قاعة جديدة الى قاعات مبنى إقليمه في منطقة الجديدة (قضاء المتن الشمالي) التي ستحمل اسم أحد شهداء الحزب كرم صدقة. يحضر الافتتاح النائب سامي الجميل، محاطاً بجميع رؤساء أقسام المتن الذين يلبّون ونائبهم، دعوة الإقليم. في الظاهر، الإقليم يكبر والقاعات تتكاثر، ولكن في داخل المبنى ما لا يمكن الحاضرين والجميّل إخفاؤه: بيوت الكتائب ليست على أفضل ما يرام.

خلال المؤتمر الأخير للحزب في صيف 2012، أضيفت «المشورة» الى النظام الداخلي من أجل اختيار رؤساء الأقسام، بعدما كان الأمر يتم سابقاً بالتعيين من رئيس الإقليم. ووفقاً للنظام الجديد، تتوجّه لجنة مؤلفة من عضوين من البيت المركزي وعضو من الإقليم، الى القسم الكتائبي الذي تجرى فيه الانتخابات. هناك تسجّل اللجنة تسميات الحاضرين، وتبقى النتائج سرية وغير إلزامية. تُنقل النتائج مباشرة الى الأمانة العامة التي تعمل على مناقشة وفرز الأسماء. فور انتهائها، ترسل الأمانة نسخة من عملها الى رئيس الإقليم الذي يعيد بدوره جوجلة الأسماء وفرزها، قبل أن يرسو على اسم يراه الأفضل ويقترح تعيينه تالياً رئيس قسم على المكتب السياسي الذي يملك القرار الأخير في الاختيار.

كان من المفترض لتلك «المشورة» أن تضع الكتائب على خط الديموقراطية الحزبية عبر الانتقال من التعيين الى الانتخاب، إلا أن تطبيق النظام الجديد لم يأت إلا بمشكلات إضافية. فبعد نقل التنافس الى داخل الأقسام، كان من الطبيعي أن ترسو المشورة على من هم أكثر نشاطاً وحركة داخل القسم. ويصدف أن «محركات» البيوت الكتائبية ليسوا سوى رفاق الوزير الشهيد بيار الجميل، الذين تربطهم علاقة وثيقة مع رفيق بيار الأقرب وصهر آل الجميل السابق، الرئيس السابق لمجلس الأقاليم والمحافظات ميشال مكتف. لكن النائب الجميل، كان قد عمّم على قاعدته المتنية، بمن فيهم رؤساء الأقسام منذ نحو عامين، رغبته بعدم التواصل حزبياً أو سياسياً مع مكتّف ... غير أن تمنياته سارت عكس ما يشتهيه.

في ساحل المتن (أي قسم البوشرية ــــ السدّ)، قادت المشورة الى أحد المقربين من مكتف، عادل إيليا. فضلاً عن أنها أعادت الى الواجهة رئيس إقليم المتن السابق ورئيس قسم ساحل المتن السابق (قبل فصل البوشرية عن السبتية والدورة) جورج قسيس، المتخاصم مع رئيس الحزب أمين الجميل. رغم ذلك، كان الإقبال خفيفاً وتمثل بحضور 75 كتائبياً من أصل 600 الى المشورة، وفقاً لأحد المشاركين. وفي بلدة بياقوت، رست النتائج على رئيسة قسم مقربة من الصهر السابق، فيما أجّل الكتائب مشورة قسم أنطلياس رغم انقضاء مهلة رئيسه، بسبب معرفة الحزب المسبقة بسيطرة مكتف على شباب القسم غير المحببين الى قلب نائب الكتائب، يقول أحد كتائبيي البلدة. وفي هذا السياق، يقيم مكتف اليوم عشاء على شرف شباب أنطلياس الكتائبيين، بعد انتهائهم من الاحتفال مع النائب الجميل بافتتاح قاعة الإقليم الجديدة، علماً بأنه في الأسبوع الماضي كان مكتف حاضراً في مهرجان مار عبدا على طاولة قسم الكتائب في جل الديب، وستكون له طاولة مماثلة الأسبوع المقبل خلال العشاء التي تقيمه رعية مار تقلا في البلدة نفسها.

يتجول مكتف اليوم بحرية بين قسم وآخر، يعقد الاجتماعات الكتائبية، ينسق مع هذا ويؤمن الخدمات لذاك تماماً كما كانت عليه الأمور قبل استشهاد بيار الجميل. وسّعت «المشورة» آفاق عمله، فتمكنت الديموقراطية الحزبية من إعادة تنصيبه لاعباً رئيسياً من دون تخطيط مسبق، حيث بدأ التغلغل داخل بيوت الكتائب منذ تاريخ تطبيقها، بدءاً ببلدتي عينطورة وبسكنتا، وصولاً الى غالبية بلدات الساحل والوسط. والعقدة الرئيسية، وفقاً لبعض الكتائبيين، تكمن في عدم قدرة الجميل على عزل رئيس القسم أو عدم القبول بتعيينه، لما يسببه الأمر من مشكلات إضافية؛ وخصوصاً بعد انقلاب خمسة رؤساء أقاليم متنيين سابقين من أصل 6 عليه (جورج قسيس، بول جميل، طوني الحج، حنا الغول وجوزيف بو عبود)، وما يسببه حضورهم وتأثيرهم الكتائبي على شباب الحزب من عقد إضافية. على المقلب الآخر، هناك من يعتقد بأن كل ما سبق لم يكن ليتحقق بهذه السهولة لو أتقن النائب الجميل تحفيز العمل الحزبي وحثّ شبابه على عقد المحاضرات عوضاً عن اشتكائه الدائم من سهراتهم الليلية شبه اليومية. فالكتائب الذين يشكون قلة حماستهم في غياب «الراعي»، تمكن مكتف من تلقفهم لتعزيز حضوره في ما بينهم: صيف 2013 مثلاً كان حافلاً بالسهرات الحزبية الكتائبية المتنقلة من منطقة الى أخرى. تكرر المشهد طيلة الأشهر السابقة بحضور رؤساء الأقسام عينهم (ومكتف أحياناً) وغياب الجميل الدائم ... وحدها لائحة الطعام تبدلت من مطعم الى آخر. اليوم يجتمع هؤلاء أنفسهم في حفلة أخرى الساعة السادسة مساء، ولكن مع تغيير صغير في الطبق الرئيسي، طالما أن النائب الجميل سيحضر بنفسه ولن يرسل ممثلاً عنه كما جرت العادة.