لم تفوّت المخابرات السورية خلال احتلال الجيش السوري للبنان، أيًّا من الطوائف والمذاهب اللبنانية، ولم تميّز بين الصغار والكبار، وبين المجرمين والمواطنين. أحمد حسن بشاشة كان أحد الضحايا، حيث اختطفته المخابرات السورية عن طريق خلدة في العام 1976، كما تروي شقيقته ماجدة لـ"النشرة". أحمد الذي كان يرافق عمّه، المسؤول في القيادة العامة الفلسطينية، في معظم الأحيان، إقتادته المخابرات السورية في ذلك العام إلى سجن المزّة ولم يعد حتى يومنا هذا.
تعرب ماجدة عن حزنها لكونها من عائلة متواضعة لم تكن تعرف كيف تذهب إلى سوريا وأين، ومن تسأل عن شقيقها، مشيرة في الوقت عينه إلى أن والدتها زارت المزة مرة مع شقيقها، بعد عامين من اعتقال أحمد، واستطاعت أن تؤمن بطاقة زيارة للسجن، لكنّ الحراس منعوها من رؤيته، مكتفين بالتأكيد لها أن أحمد موجود لديهم.
لا تعرف ماجدة ما هي التهمة التي "ألبسها" النظام السوري آنذاك لشقيقها، فالنظام، كما تقول، "إعتاد فبركة التهم التي يشاء"، كاشفة أنّ "بعض حرّاسه عرضوا على والدتها إعطاءهم المال مقابل السماح لها برؤية ابنها".
لجنة "سوليد" وحدها تتابع قضية عائلة بشاشة، ممثلة برئيسها غازي عاد، التي أخذت على عاتقها متابعة قضية اللبنانيين المخفيين في سوريا، حيث تشير ماجدة إلى أن "اللجنة فتحت ملفا باسم شقيقها ضمت إليه كامل المعلومات المتوافرة عنه لمتابعة قضيته"، لافتة إلى ان "بعض اللبنانيين الذين خرجوا من السجون السورية أكدوا أنهم شاهدوا أحمد هناك، وأنه بعد المزة، نقل إلى فرع فلسطين ثم إلى سعدنايل حيث قيل أن كل اللبنانيين نقلوا إليه"، مبدية عتبها على الدولة اللبنانية التي لم تسأل عن أبنائها المخفيين في سوريا يوما، مؤكدة أنها لا تصدّق أن شقيقها لا يزال على قيد الحياة وحيّا يرزق بعد كل هذه الأعوام. ورغم ذلك، تؤكد ماجدة أن أحدًا لم يعرض على العائلة توقيع وثيقة وفاة أحمد، وأنه لو تمّ ذلك، فالعائلة لن توقع أبدًا هكذا وثيقة لأنها متأكدة بأن أحمد موجود في السجون السورية.
تؤكد ماجدة أنه في الفترة الممتدة بين عامي 2007 و2008، ورد خبر للعائلة أن أحمد لا يزال على قيد الحياة، وهو لا يزال في سوريا ويوزّع الأكل في أحد السجون هناك، لافتة في المقابل إلى معلومات تشير إلى تعرّضه للتعذيب، شأنه شأن كل المعتقلين هناك.
"بعدنا واقفين مطرحنا"، تقولها ماجدة بحسرة، معتبرة أن الدولة لا تشعر بعذاب الأهالي، وقليل هو عدد السياسيين الذين اعتادوا زيارة خيمة الإعتصام والذين حملوا هذه القضية، معربة عن أملها في أن تقدم المعارضة السورية على تحرير المعتقلين في حال تبوّأت السلطة، مبدية في الوقت عينه خشيتها من أن يكون المخفيون قد قضوا في الأحداث الدائرة في سوريا.
أم أحمد، كغيرها من أمهات المخفيين في السجون السورية ماتت من شدة القهر على غياب نجلها، وتقاعس الدولة بكل أجهزتها عن متابعة هذا الملف، فأخذت ماجدة على عاتقها، كغيرها من ذوي المعتقلين في السجون السورية، متابعة هذه القضية، وباتت تلازم خيمة الإعتصام في "الأسكوا" علّ أحمد يطلّ عليها يومًا بعد غياب قسريّ فاق الثلاثين عامًا...
هذا الموضوع هو الجزء الثاني من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".
الأجزاء السابقة:
الجزء الأول - بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟
الجزء الثاني - المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)