هواء أيلول والاشجار المحيطة بقصر بيت الدين يساعدان رئيس الجمهورية ميشال سليمان للادلاء بمواقف وتقديم أجوبة عدة ينتظرها اللبنانيون وخصوصاً في مثل هذه الايام الحبلى بالاخبار والتطورات السورية وانعكاساتها على لبنان وما اذا كانت مفاعيلها سترتد عليه على رغم ما يعانيه ازاء تدفق اللاجئين السوريين الى ربوع بلد يشقه الانقسام السياسي.
ما يشغل سليمان في هذا التوقيت الساخن الذي تجتازه بلدان المنطقة هو سعيه للتوصل الى الحد الادنى من القواسم المشتركة والعمل على ما هو الأربح، الذي يفيد البلد بعيداً من الحسابات الطائفية أو المخارج التي تناسب هذا الفريق أو ذاك.
وفي معرض سؤاله عن تطيير تأليف الحكومة في الايام الاخيرة، ينفي سليمان كل هذه المعلومات التي تداولها البعض ونقلتها وسائل الاعلام مع اصراره الدائم على ولادة حكومة جامعة ووحدة وطنية "وانا لست مع الثلث المعطّل" ومع استمراره في بذل المساعي لمشاركة الجميع في هذه الحكومة وعدم استبعاد "حزب الله" عنها.
ويؤكد ثانية في جواب له ان "الثلث المعطل ليس متاحاً الآن وان رئيسي الجمهورية والحكومة يقدمان الضمانات للجميع".
وينفي بشدة أن يكون رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان بن عبد العزيز وراء عرقلة تأليف الحكومة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة "هو لم يتعاط في هذا الموضوع. انا على مستوى موقع رئاسة الجمهورية لم أسمع بهذه العرقلة. واذا توفرت معطيات الولادة فإن التشكيلة تركب في 5 أو 6 ساعات".
ويقول "لا أقدر أن أقول انا رئيس الجمهورية اذا لم تشكل حكومة، وحسناً قال الرئيس المكلّف تمام سلام أن المطلوب حكومة واقع وليس أمر واقع وهو عليه واجب ويتحمل مسؤوليات. وفي النهاية الحكومة ستشكل وهذا ما أسعى وأعمل عليه".
ولا يمانع سليمان ما ورد في "خريطة الطريق" التي أطلقها رئيس مجلس النواب ولا يعارض أيهما قبل الحكومة أو الحوار أو العكس شرط أن يقبل الرئيس المكلّف بهذا الأمر ويقصد بالأخيرة موضوع الحكومة.
ويعود سليمان في معرض أكثر من سؤال عن "إعلان بعبدا" والظروف التي ولد فيها هذا الاعلان إبان انعقاد طاولة الحوار وكيف جرى وضعه على الشاشة أمام الأعضاء المجتمعين آنذاك وكيف كان الطرفان (8 و14 آذار) يعارضانه. ويذكر كيف وقف الرؤساء نبيه بري وأمين الجميل ونجيب ميقاتي للاستفسار عنه (الاعلان) والسؤال عن بنوده وما يحمله وكيف جرت إدخال تعديلات عليه وانه "لم يكن ابن ساعته".
ويعود أيضاً الى ابلاغه بلدان الخليج آنذاك ان لبنان لا يستطيع أن تكون أراضيه ممراً للسلاح الى سوريا وان "هذا الاعلان يصب في مصلحة الجميع وأن يبقى كما هو وان لا يزيد عليه احد اي شيء والمزايدة في هذه النقطة تضر هذا الاعلان".
ولا تستوي الجلسة مع سليمان من دون السؤال عن العلاقة اللبنانية – السورية وكيف انه لم يلتق ولم يتحدث ولو في اتصال مع الرئيس بشار الاسد وخصوصاً بعد ملف الوزير السابق ميشال سماحة واتهامه بنقل متفجرات الى لبنان. يقول سليمان ان ضميره مرتاح حيال هذه القضية وتعاطيه معها والتي كادت ان تسبب (المتفجرات) كارثة".
ويروي كيف ان القضاء اللبناني عرض أمامه جملة من الوقائع. ومنذ ذلك الحين "فتحت علي نار جهنم من الاطراف المؤيدة لسوريا".
ويرجع سليمان رسم هذه العلاقة وامكان استمرارها الى ما ينص عليه اتفاق الطائف في هذا الشأن.
ومن الملفات التي تشغل سليمان في هذه الأيام هو خطر الجماعات التكفيرية والتصدي لها وكان قد ناقش هذه النقطة باسهاب مع وفد مجلس الشورى الايراني الذي زاره في الاسبوع الفائت برئاسة علاء الدين بروجردي.
ومنعاً من ان يحدث كلامه هذه "نقزة" عند السنة، يستذكر مواقف سياسييها ابان معارك نهر البارد وكيف وقف ابناء هذه الطائفة وخصوصاً في طرابلس مع الجيش. وان 80 في المئة من شهداء هذه المؤسسة كانوا من السنة فضلاً عن مشاركتهم في تطويق ظاهرة الشيخ احمد الاسير "ورجعت (الطائفة) ووقفت ضده".
يواصل سليمان مساعيه رغم صعوبة الطريق واقتراب موعد انتهاء ولايته الرئاسية على خلق القواسم المشتركة ووحدة الصف بين اللبنانيين قدر الامكان والظروف التي تسمح له بذلك. وان الوضع في البلد في رأيه يحتاج الى عناية أكبر في ظل ما تلوح به المعطيات الأخيرة في الفضاء السوري.
وفي لقائه الأخير والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لمس ان احتمالات الضربة ضد سوريا قد تراجعت، لكنه في الوقت نفسه لا يحبذ الدخول في النيات. وهو على الرغم من ادانته ورفضه الشديد لاستعمال السلاح الكيميائي فانه يترك للسياسة ان تأخذ مجراها.
وقرأ في جلسته وهولاند ان ثمة "فتحة سياسية" ما تحضر في الصالونات الديبلوماسية العليا وهو يتمنى نجاح المساعي الروسية. وتوصل الى معطيات فرنسية وهي ان هولاند ليس لديه ثقة لا بل انها مفقودة حيال النظام السوري.
وفي خضم متابعات رئيس الجمهورية والاتصالات التي يقوم بها في هذا الشأن هو سعيه الى تحييد لبنان وهذا ما يركز عليه في مواقفه المعلنة ولقاءاته مع المعنيين. يريد ان يبعد البلد عن كل ردة فعل. وهذا ما قاله لـ"حزب الله" عبر رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وسيلتقيه ثانية في موعد قريب جرى تحديده على اجندة مواعيد سليمان.
ورداً على سؤال عن تطور الوضع في سوريا نحو الأسوأ، فانه يتحدث ان "لا ضمانات" في السياسة والحروب، مع العلم انه سمع "اجواء ايجابية" في هذا الشأن وانه يرى أيضاً ان مصلحة لبنان لا تغيب عن حسابات "حزب الله". وسئل سليمان ان اشارات التمديد له في رئاسة الجمهورية بدأت تلوح في الأفق؟ وان الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط باشرا الاعداد لهذا الموضوع، يجيب (ضاحكاً) "لم يخبرني أياً منهما في هذه المسألة. والدستور يقول عندما تنتهي الولاية (في 25 أيار المقبل) تتسلم الحكومة هذه المسؤولية والحكومة ستشكل مليون في المئة".
ويرى ان التغيب عن استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية يخالف الديموقراطية وعدم توفير النصاب المطلوب أمر غير صحيح وغير وطني وهو عمل اجرائي.
وثمة شخصيات عدة في البلد وهي معروفة تحمل هذه المسؤولية. واذا جرى الاتفاق على هذا التمديد، يرد (ضاحكاً) "أطعن بهذا التمديد".
وكان سليمان قد استقبل وفداً من رابطة خريجي كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية برئاسة الزميل عامر مشموشي.