خلال الأحداث اللبنانية، التي خلّفت عددا كبيرا من الضحايا، لم يكن يعلم من يخرج من منزله آنذاك إن كان سيعود إليه جثة هامدة جراء الحرب وعمليات القنص، أو سيكون نصيبه الخطف. أحمد علي أحمد كان أحد ضحايا الخطف على يد حزب مسيحي عريق، وذلك خلال عودته من عمله في أحد معامل الشويفات إلى منزله في المنطقة عينها، في 4 حزيران 1982. لم يكن أحمد الوحيد الذي خطف يومها، إذ وقع 18 آخرين معه ضحية المسلحين.
لم تقبل شقيقة أحمد، وداد، التوقيع على وثيقة وفاة أخيها وهي لم توفر طريقة لمعرفة ظروف اختفائه، رغم أنها كانت الوحيدة في العائلة التي تابعت قضية اختفائه. رفاق أحمد أكدوا لها رؤية مسلحين يقومون باختطافه واقتياده نحو منطقة الشويفات، قبل أن يؤكد لها أحد المسؤولين هناك أنه مع أحد الأحزاب المسيحية، وهو يحقق معه وسيعيده إلى منزله بعد أسبوع. مرّت الأيام ولم يعد أحمد وهو نُقل إلى المجلس الحربي للحزب. طُلب من إحدى شقيقاته الذهاب إلى كفرشيما لرؤية سيارته للتأكد من مكان وجوده، فلبّت الطلب وخاب أملها. مُنعت من رؤيتها فعادت خاوية الوفاض. تقول وداد: "بعد انتهاء الحرب، قامت كل الأحزاب اللبنانية بتسليم معتقليها إما إلى سوريا أو إلى اسرائيل، ومن كانوا في اسرائيل عادوا أما من اقتيدوا إلى سوريا ما زالوا مخفيين حتى اليوم".
لم تكن وداد تستطيع الذهاب وحيدة إلى سوريا للسؤال عن أخيها، ولم تجد في لبنان من يقف بجانبها ويساند قضيتها إلا جمعية "سوليد"، حيث كانت تشارك بكل اجتماعاتها وملأت عبرها إستمارات منها ما هو لجمعية "سوليد" ومنها ما كان لمنظمة الصليب الأحمر الدولي حول ظروف اختفاء أحمد، فضلا عن فتحها ملفا في وزارة العدل، دون أن تتلقى أجوبة شافية حتى اليوم. وفي عام 1983 تلقى أحد أشقائها اتصالا للذهاب إلى سوريا وإحضار جثة أحمد مقابل مبلغ معين من المال إلا أنه رفض الأمر لأنه لم يكن متأكدا من وفاة شقيقه ولخوفه من أن يكون هدفا جديدا للإختطاف والإعتقال، قبل أن تنقطع الأخبار عن أحمد ويسافر شقيقه ويترك لبنان.
لا تعرف وداد ما هو سبب اختفاء أخيها، فهو على حدّ علم العائلة لم يكن ينتمي إلى أي حزب سياسي، مشيرة في المقابل إلى أنه قيل أن أحمد كان يخفي سلاحا في المنزل وكان رفاقه من أنصار الحزب الشيوعي اللبناني، موضحة أنه تبين لاحقا أن السلاح هو لصديقه ف.م المنتمي إلى الحزب المذكور، فيما قيل أن أحمد وجدت بحوزته بطاقات حزبية شيوعية.
وإذ تُقرّ وداد بتقصير من قبل العائلة، وخاصة الإخوة الشباب، في موضوع شقيقها أحمد، تؤكد أن العائلة لا تريد أن تكون محسوبة على أي فريق سياسي وهي لا تطلب شيئا من السياسيين ولا تدق بابهم، بل كل ما تريده هو معرفة مصير شقيقها الذي خطف وكان يبلغ من العمر 22 عاما، قائلة: "يا ريت بيرجع، إمي ماتت بحسرتو وكانت مخبّاية قطعة من تيابو بسّ حتى تشمّ ريحتو"، مؤكدة أنه ما زال لديها كل الأمل في أن يعود ولو بعد مرور هذه الأعوام كلها.
ماتت أم أحمد قبل أن يعود نجلها، وكم من أمهات غيرها متن وهنّ ينتظرن عودة أبناء لم يعرفن يومًا لماذا خُطفوا ولم يدركن أن عودتهم ستطول وأنهن قد لا يشهدن عودتهم يوماً. فهل يصبح الموت وحده موعد اللقاء؟
هذا الموضوع هو الجزء الرابع من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".
الأجزاء السابقة:
الجزء الأول - بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟
الجزء الثاني - المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)
الجزء الثالث - أحمد حسن بشاشة: لبنانيّ مخفيّ في سوريا بين أمل العودة ومرارة الواقع (3)