إذا أردت أن تحكم العالم، فعليك أن تكون قوياً أو أن تدّعي القوة التي لا ينازعك فيها أحد، فعندما تكون قوياً يمكنك أن تفرض رأيك "بديمقراطية مطلقة". وان لم تكن كذلك، يكفيك أن تدعيها حتى تفرض رأيك ولكن بشرط أن تبتكر ما يقنع الآخرين.
وفي عالم غزاه التطور العلمي والتكنولوجي، وسيطر عليه رجال الأعمال بكافة المجالات وخصوصاَ الإعلامية منها، وبعد أن تحول العالم إلى "شارع ضيق"، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واندماجها في عالم الصحافة والإعلام، بات من السهل جداً تحويل الشائعة إلى حدث وأن تخلق للرأي العام "المبرر" لقيامك بأي عمل حتى وان كان بعيداً عن المنطق، وخصوصاً في منطقة كالشرق الأوسط حيث اجتمع العالم للتقاتل فيها، وتنامت حالة التوتر وعدم الاستقرار، وحيث أصبحت الشعوب تعيش في حالة من الإستنفار المتقبلة للحروب كنمط لحياتها اليومية.
وانطلاقا من هذا الواقع الحاصل في مجتمعاتنا، وفي ظاهرة عالمية جديدة قد تطيح بالقانون الدولي العام الإنساني بما يتضمنه من قواعد وأعراف تهدف لتقييد أساليب ووسائل الحرب، أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على تبرير حربها "المفترضة" على النظام السوري رداً على استخدامه "المفترض" للكيميائي من خلال مشهد فيديو عرض عبر موقع يوتيوب.
كما أقدمت على التسويق لهذه الحرب وكأنها واقعة لا محال ومهما كانت تكلفتها، وبعد أن تم ربط هذه الحرب بمصداقية الولايات المتحدة كدولة تعد نفسها المحافظ الأول على حقوق الإنسان والرافض لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الشعوب.
وحتى تنجح أميركا في التسويق لـ"حربها المفترضة" على سوريا، كان لا بد أن ترتكز على "المشاعر والعواطف"، فما بالك بفيديو يظهر أطفالاً قد قتلوا بعد هجوم كيميائي. وبمجرد أن عرضت هذه المشاهد اكتسب مشروع أميركا تعاطفاً من الرأي العام دون حاجتها لإثبات من أقدم على هذا الفعل، ما أتاح للرئيس الأميركي باراك اوباما الظهور بصورة "المخلص" الوحيد للشعب السوري، الذي لن يرضى أن تستخدم أسلحة الدمار الشامل في سوريا كما حدث في هيروشيما وناكازاكي حين قتل أكثر من 140000 شخصاً.
وبمجرد أن أعلن الرئيس الأميركي انه سيوجه ضربة عسكرية محدودة لسوريا لضمان عدم استخدام النظام سلاحه الكيميائي ضد شعبه مرة أخرى، استنفر العالم والإعلام لتحليل الحدث وتأييد توجه اوباما من جهة ومعارضته من جهة أخرى، لا بل ذهب الإعلام إلى ما أبعد من ذلك وانتقل إلى مرحلة إسقاط النظام تارة، وإشعال المنطقة ومحو إسرائيل عن الخارطة تارة أخرى، وأحياناً كثيرة ذهب لتبرير تأجيل الضربة وتحديد أهدافها دون أن يكون اوباما نفسه قد حدد مهلة زمنية لها.
تجدر الإشارة إلى أن من معجزات هذا "المخلص الأميركي" أنه استطاع أن يجمع المعارضة السورية والنظام لأول مرة منذ 3 سنوات حول حتمية الضربة وترقبها، مع الإبقاء على السؤال الوحيد "متى سيفعلها؟" والخطير بالأمر هو تأقلم شعوب المنطقة على فكرة الحرب والتفكير فيما بعدها من ردة فعل من دون العمل على إيقافها، وإذا ما نظرنا إلى الرضوخ العربي على الهجوم الأميركي على العراق والواقع اليوم سنرى أن المشهد اليوم أشد مرارة، وخصوصاً عند "الجبهة القومية الممانعة" التي تترقب الضربة بحماسة رغم التهديد القوي الذي سيشعل المنطقة ويردع الغزاة، ولكن هنا تكمن المشكلة الحقيقية، التي تتلخص في انتظار الفعل قبل وقوعه. واللافت هنا أيضا أن أميركا استطاعت مرة أخرى أن تجمع فريقي النزاع في سوريا على مستوى القاعدة الشعبية، من خلال الاستقواء بالخارج، حيث تنتظر القاعدة الشعبية "للمعارضة السورية" الضربة الأميركية بفارغ الصبر للقضاء على النظام والتشجيع على احتلال سوريا عن علم أو غير علم من خلال التسويق لفكرة ان الاحتلال سيكون افضل من النظام الحالي.
أما في المقلب الأخر، فإن القاعدة الشعبية للنظام السوري تؤكد بأن روسيا وإيران لن تقبلا أن يسقط نظامها بهذا الشكل، لأسباب تراها مقنعة. من هنا يمكن أن نستنتج أن أميركا استطاعت ان تنجز أول مرحلة من الحرب سواء وقعت أم لا، من خلال التهويل الإعلامي والنفسي، حيث وضعتنا امام حرب واقعة ننتظرها مع اختلاف ردات الفعل، دون ان نشكك في احتمال اندلاعها، كما أن تسارع الاحداث والتوترات الامنية في المنطقة لم يتح لنا استخلاص العبر من التصرف الايراني الذي حد من التهويل نفسه الذي مارسته اميركا عليه. وعلى الرغم من تحديد ساعة الصفر الا أن حربها على النظام الايراني بقيت "افتراضية".
أما اليوم فهل ستتمكن أميركا أن تحقق أهداف الضربة دون القيام بها، أم ستذهب لحرب فعلية لتحقيقها؟ وفي المقلب الاخر هل ستتمكن سوريا وحلفائها من اظهار الاميركي بصورة المهزوم في حال تمت الضربة أم لم تتم؟ لا شك أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في هذا الموضوع، ولكن الأكيد أن الجميع خائف من هذه الحرب.