بين الهواجس الأمنية والأعباء الاقتصادية والاجتماعية، يبدو "موسم المدارس" لهذا العام مثقلا بالهموم على الأهالي والطلاب في مختلف المناطق اللبنانية، ومنها محافظة النبطية التي ينطلق العام الدراسي في أقضيتها الأربعة (النبطية، بنت جبيل، مرجعيون وحاصبيا) عمليا في السادس عشر من الشهر الحالي في المدارس الخاصة وفي الثالث والعشرين منه في المدارس الرسمية.
وفي وقت باشرت هذه المدارس بتسجيل الطلاب القدامى والجدد في صفوفها، بدا أنّ الهاجس الأمني، الذي أثقل البلاد من اقصاها إلى أقصاها، تفوّق على ما عداه من هواجس، حيث يتخوّف الأهالي من أن تنتقل موجة التفجيرات المتنقلة التي تستهدف المدنيين الأبرياء إلى المدارس، وهو ما جعل الأهالي يخافون على حياة أولادهم سواء خلال توجههم بالباصات الى المدارس او خلال التجمعات التربوية في تلك المدارس أثناء الدخول إليها أو الخروج منها.
لكنّ هذه المخاوف لدى الاهالي على أولادهم الطلاب سوف تبددها الاجراءات الوقائية والتدابير والاحتياطات التي ستتولاها البلديات حول المدارس الرسمية والخاصة، علما أنّ المصادر أكدت لـ"النشرة" أنّ بلديات محافظة النبطية تسعى لمواكبة انطلاقة العام الدراسي بخطة أمنية خاصة أقرّتها كلّ بلدية على حدى للمدارس المعنية بها والتي تقع في نطاقها الجغرافي، وذلك بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنية المتمركزة في محافظة النبطية وبلداتها.
دورات تقوية للنازحين السوريين وأعدادهم إلى ازدياد
ووفق أحصائية حصلت عليها "النشرة" من مراجع تربوية رسمية، فقد بلغ عدد الطلاب المسجلين في المدارس الرسمية في محافظة النبطية خلال العام الدراسي الماضي 17846 طالبا وطالبة وهم موزعون كما يلي: قضاء النبطية (9567 طالبا وطالبة)، قضاء بنت جبيل (4621 طالبا وطالبة)، قضاء مرجعيون (2126 طالبا وطالبة)، وقضاء حاصبيا (1532 طالبا وطالبة)، يضاف اليهم 2692 طالبا وطالبة من النازحين السوريين.
وتتوقع المراجع التربوية الرسمية، في حديث لـ"النشرة"، أن تزاد هذه الأعداد خلال العام الحالي نظرا للأعباء الاقتصادية والهموم المعيشية الضاغطة على عاتق الأهالي، كما تتوقع أن ترتفع أيضا أعداد الطلاب من النازحين السوريين بسبب تدفق النزوح السوري إلى المنطقة، علما أنّ المصادر تقدّر أعداد الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة بحوالي 43 الف طالب وطالبة قياسا على الاحصائية للعام الدراسي الماضي.
وتلفت المراجع التربوية الرسمية إلى أنّ هناك تعليمات وصلت إلى المدارس الرسمية بعدم تسجيل الطلاب السوريين النازحين الا اعتبارا من الاثنين المقبل على ان يكون كل طالب مزودا بقسيمة تخوله التسجل مجانا تمنحها له جمعية "كاريتاس" ومركزها بلدة الغازية الجنوبية، موضحة أنّ الجمعية المذكورة تولّت تسجيل كل الطلاب السوريين النازحين على نفقتها برسم مقداره 150 الف ليرة لبناني كرسم تسجيل عن الطالب على أن تتكفل بتأمين الكتب والقرطاسية وتوفير النقليات لكل الطلاب النازحين، متوقعة أن تقام مراكز تجمع للطلاب السوريين لتعليمهم في فترة ما بعد الظهر لأنّ أعدادهم في ازدياد والمدارس الرسمية غير قادرة على استيعابها، مشددة على أنّ القرار النهائي بهذا الخصوص هو بيد وزير التربية.
وتكشف المراجع نفسها أنّ جمعية "كاريتاس" تنظم منذ الثالث والعشرين من شهر تموز الماضي دورات تقوية للطلاب النازحين السوريين الى الجنوب على ان تنتهي هذه الدورات في 20 الحالي أي قبل بدء العام الدراسي الرسمي، وهي تشمل اللغتين العربية والاجنبية والرياضيات في أربعة مراكز هي الغازية و اللوبياء وزبدين وبلدة المية ومية، مع الاشارة إلى أنّ عدد الطلاب السوريين النازحين المستفيدين من هذه الدورات يفوق الـ 1700 طالب وطالبة في المرحلة الابتدائية وكل نفقات الدورات تتولاها جمعية "كاريتاس" بما فيها النقل والتعليم والقرطاسية ودفع أجرة المعلمين وهم لبنانيون متعاقدون بالساعة.
إجراءات أمنية واستعدادات مدنية
إلى ذلك، حضرت الهواجس الأمنية عشية بدء العام الدراسي على طاولة اجتماع الأندية والجمعيات في مقر بلدية النبطية، حيث تقرر اتخاذ إجراءات أمنية وتدابير في المدينة وحول مدارسها الرسمية والخاصة على أن تتولى عناصر من شرطة البلدية القيام بتنفيذ هذه الاجراءات تحت إشراف رئيس بلدية النبطية الدكتور احمد كحيل وبالتعاون مع الجيش وقوى الامن الداخلي.
وأوضح مصدر في البلدية حضر الاجتماع لـ"النشرة" أنّ المجتمعين ناقشوا الاجراءات الامنية المتخذة في المدينة، كما تطرقوا الى الاستعدادات التي يجب القيام بها على مستوى المجتمع المدني، وناقشوا الاجراءات الامنية التي يجب اتخاذها لحماية المدارس والتلاميذ خصوصا أنّ العام الدراسي أصبح على الأبواب.
بلدية زبدين وضعت خطة لتأمين انطلاقة آمنة للعام الدراسي
من جهته، أكد رئيس بلدية زبدين محمد قبيسي، في حديث لـ"النشرة"، أنّ البلدية ستقوم بواجبها في هذا الاطار، علما أنّ هناك أربع مدارس متقاربة في البلدة واحدة منها رسمية وأخرى زراعية إضافة إلى مدرستين خاصتين، لافتا إلى أنّ البلدية ستواكب العام الدراسي منذ البداية وحتى النهاية من حيث فرز 4 عناصر من شرطة البلدية لتنظيم دخول الطلاب والتلامذة الى المدارس ومنع ايقاف السيارات في محيطها وتأمين مواقف خاصة بسيارات المعلمين والمعلمات والطلب الى اصحابها وضع اسمائهم عليها، وكذلك الطلب الى سائقي الباصات التي تقل الطلاب الى المدارس وضع اسم كل سائق على باصه والمدرسة التي ينتمي اليها في محاولة لضبط الامور من الناحية الامنية ومنع اندساس اي سيارة مشبوهة بين سيارات المعلمين او تلك التي تقل الطلاب.
وأشار قبيسي إلى أنّ الهدف الأول والأخير الذي تتوخاه البلدية من هذه الاجراءات هو حماية المدارس والطلاب وتأمين انطلاقة سليمة وآمنة للعام الدراسي في مدارس بلدة زبدين وتبديد كل الهواجس والمخاوف لدى اهالي الطلاب، لافتا إلى وجود خطة على هذا الصعيد وضعتها بلدية زبدين بالتعاون مع الجيش والقوى الامنية وبعض المتطوعين من اهالي البلدة لحماية المدارس والسهر على البلدة وعلى أمنها واستقرارها.
معرض للقرطاسية المكتبية خدمة للأهالي
ومن الهواجس الأمنية إلى الأعباء التربوية على أبواب العام الدراسي، وقد برز على هذا الصعيد افتتاح التعبئة التربوية في "حزب الله" لمعرضها للقرطاسية المكتبية، وذلك في مدينة النبطية. وقد شهد المعرض في أيامه الاولى حضورا كثيفا حيث أعرب زوار المعرض عن ارتياحهم لاقامته سنويا في مدينة النبطية، باعتبار أنّ أسعاره مقبولة وهو يحوي على النسبة الأكبر من احتياجات الطالب المدرسية من الصفوف الأولى وصولا حتى الصفوف الثانوية.
وأكد مدير المعرض محمد عطوي استمرار التعبئة التربوية "في خدمتها لأهلها الصامدين والصابرين كما وعدهم سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي ( سنخدمكم بأشفار عيوننا)"، مشيرا إلى أنّ ما يميز هذا المعرض عن غيره هو اسعاره المحدودة والمدروسة ونوعية القرطاسية الموجودة فيه.
المدرسة صرح تربوي لا تجاري
في المقابل، لفت عضو اصحاب المكتبات في لبنان ومدير مكتبة فارول في النبطية رفعت حطيط إلى أنّ هناك قرارا صادرا عن وزارة الاقتصاد والتجارة في العام 2010 يحرم بيع الكتب والقرطاسية في المدارس الخاصة وفي المعارض، مشيرا إلى أنّه تفاجأ هذه السنة كما السنة الماضية بأنّ المدارس الخاصة في النبطية تبيع الكتب والقرطاسية لطلابها وهذا ما يؤثر على مورد عيشهم، مشددا على أنّ المدرسة هي صرح تربوي ولا يفترض أن تكون غايتها التجارة.
وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح حطيط أنّ أسعار الكتب ارتفعت هذا العام بما نسبته ستة في المئة، ملاحظا ان هناك تنافسا في بيع اللوازم المدرسية والقرطاسية بين المكتبات والمعارض الحزبية، فضلا عن أنّ المدارس الخاصة تقوم سنويا وعلى ابواب العام الدراسي بتبديل المراويل والبيجامات الرياضية لطلابها مما يرفع الاعباء على المواطنين الذين اكتووا هذه السنة بزيادة الاقساط المدرسية.
وطالب حطيط وزيري التربية والاقتصاد بتفعيل الدوريات على المدارس الخاصة لتطبيق قرار وزارة الاقتصاد بمنع تلك المدارس من بيع الكتب والقرطاسية داخل حرمها، علما أنها تأخذ مئة الف ليرة كل عام بدل قرطاسية من كل تلميذ، مؤكدا ان هناك تريثا من قبل المواطنين على شراء الكتب لاولادهم بسبب الوضع المأزوم والخوف من المجهول الاتي.
هل هناك خطر داهم؟!
هذا وتتواصل الاجراءات الامنية في مدينة النبطية للاسبوع الرابع على التوالي والتي يتم تعزيزها بشكل لافت كل يوم اثنين حيث يصادف قيام سوق الاثنين الشعبي الشهير في المدينة، حيث تنتشر حواجز القوى الامنية على كافة مداخل المدينة وفي شوارعها الداخلية ويمنع سير السيارات في بعض الشوارع، ناهيك عن المكعبات الاسمنتية التي يتم وضعها في العديد من الشوارع الرئيسية والفرعية في المدينة لحماية بعض المؤسسات التي من الممكن ان تكون هدفا لاي اعتداء ارهابي على غرار ما حصل في الرويس في الضاحية الجنوبية وفي طرابلس.
وإذا كانت الاجراءات الامنية عكست حالة من الارتياح عند بعض الناس، إلا أنها في المقابل عكست حالة من الخوف والهلع عند البعض الاخر والذين اعتبروا انه لو لم يكن هناك خطر داهم، ما كان هناك من داع لقيام مثل هكذا اجراءات في حين ان الكثير من المناطق والتي تشبه مدينة النبطية لا تشهد هذه الاجراءات، وقد بدأ هذا الأمر ينعكس سلبا على حركة السوق التجارية في المدينة وبشكل متصاعد.
وقد دفع هذا الوضع المتردي باصحاب المحال التجارية الى التململ والتأفف والتساؤل الى اي حد ممكن ان يستمر الوضع على ما هو عليه ولماذا لا يتم التخفيف من المظاهر الامنية والاستعاضة عنها بأساليب غير مرئية، فبالرغم من العروضات والحسومات التي يقدمها بعض اصحاب المحال التجارية لم يستطيعوا تجاوز الركود في حركة البيع والتي هي مستمرة بالتراجع اسبوعا بعد اسبوع، وهو ما أكده أحد أصحاب المحال التجارية (محمد) لـ"النشرة"، حيث أعرب عن خشيته من أن يتغيّر الوجه التراثي والتاريخي لسوق النبطية بسبب الظروف الراهنة، موضحا أنّ الحركة التجارية في السوق لم تصل إلى الحد الذي وصلته اليوم حتى في أصعب الأحوال والأوضاع.