حسن أحمد شعيب. لبناني الجنسية مواليد عام 1956، قابع منذ عام 1976 في السجون السورية. التهمة موجودة. وظروف الإعتقال كانت مؤاتية. ففي أيار من ذلك العام، كان حسن منتسبا إلى صفوف "حركة فتح" ويقاتل إلى جانبها قوات الردع السورية في منطقة عينطورة، قبل أن يتم اعتقاله مع عدد من المقاتلين واقتيادهم إلى عنجر ثم إلى سجن المزّة في سوريا. حركة "فتح" أعلنت وفاته ورفاقه آنذاك خلال المعارك، لكن لحسن حظهم، تمكن أحدهم من الهرب وإخبار عائلاتهم أنه تم اعتقالهم من قبل القوات السورية، قبل أن يعود حسن ويتصل بوالدته من البقاع ليقول لها "خطفوني السوريين".
لم تتوانَ أم حسن عن زيارة سوريا مرات عدة للسؤال عن ابنها، وهي سورية الأصل من القرداحة قرية الرئيس السوري بشار الأسد. ففي العام الذي اعتقل فيه ابنها، زارت سوريا، والتقت العميد السوري مصطفى طلاس، الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، والذي قال لها: "لو عنّا حسن ما منفرجيكي ياه"، وذلك لأن هذا الأمر يخالف السياسة السورية. لم تستسلم أمّ حسن، وصارت الأخبار تأتيها من بعض المعتقلين السابقين، وكانت كلها تؤكد أن ابنها حي يرزق، وهو موجود في سوريا.
في عام 2000، اتّصلت العائلة بنجل أحد عناصر الإستخبارات السورية، وتمكنت عبره من الحصول على معلومات تفيد بأن حسن لا يزال في سوريا وهو في فرع فلسطين، لكن الوالدة آنذاك رفضت التوجه إلى سوريا لرؤيته، "خوفا من ألاعيب النظام وغدره".
ليلى شعيب، شقيقة المعتقل حسن، تروي هذه التفاصيل لـ"النشرة" من دون أن تنسى التوقف بين الحين والآخر للقول: "عندي إحساس إنو بعدو عايش"، مؤكدة "رفض العائلة التوقيع على وثيقة وفاة شقيقها". من العام 2005، وبعد إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، إختفى أثر العائلة التي كشفت معلومات لآل شعيب عن ابنها حسن. ومنذ ذلك اليوم، لم ترد العائلة أية أخبار جديدة عنه.
لا تنتظر العائلة من الدولة اللبنانية شيئا، حالها حال كل العائلات الأخرى التي فُقد لها أبناء وأزواج وآباء خلال الأحداث اللبنانية وفترة الإحتلال السوري. لا من يسأل عن أحوالهم، سوى لجنة "سوليد" التي أخذت على عاتقها متابعة الملف مع الجهات المعنية. فالعائلة تعتبر أن "السياسيين لا يفعلون شيئا سوى الضحك على الناس"، وهي لا تعوّل سوى على "سقوط نظام الأسد وتسارع الأحداث في سوريا والتخلص من ظلم بشار، وعلى أعمال شغب قد تحدث هنا وهناك وتؤدي إلى تحرير جميع المعتقلين تعسفا في السجون السورية".
أمّ حسن لا تزال تنتظر نجلها بفارغ الصبر ليعود من "منفاه"، هو من لم يعرف من هذه الدنيا سوى الحرب والقتال، والذي لم يكن يفهم خوف أبيه عليه، ومنعه إياه من الإنخراط في الأحزاب والأعمال القتالية. الوالدة لا تزال تنتظر عودة حسن، وتراه في حلمها يقف في منزل العائلة بعد غياب طويل، أمّا الوالد، فقد غادر هذه الدنيا دون أن يحظى بفرصة لقاء ابنه والإطمئنان على حاله، في حين أن باقي أفراد العائلة، من إخوة وأخوات، ينتظرون عودةً طالت كثيرا، وقد لا تتحقق يوما.
قضية حسن، كقضية الكثير من اللبنانيين الذين اقتيدوا إلى السجون السورية، تفاعلت داخل إطار العائلة فقط، ولم تلقَ آذانا صاغية لا عند المسؤولين اللبنانيين ولا عند الحكام السوريين.
هذا الموضوع هو الجزء الخامس من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".
الأجزاء السابقة:
الجزء الأول - بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟
الجزء الثاني - المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)
الجزء الثالث - أحمد حسن بشاشة: لبنانيّ مخفيّ في سوريا بين أمل العودة ومرارة الواقع (3)
الجزء الرابع - بين الحياة والموت وبين لبنان وسوريا: أحمد علي أحمد مخفي منذ الـ1982 (4)