يعتقد البعض انّ لقاء نيويورك اليوم بين الرئيسَين أوباما وسليمان سيكون لقاءً عادياً، ذلك انّ قلائل يدركون أهمّية الظروف التي حكمته. وجاء هذا التطوّر في وقت إنشغلت أوساط رئيس الجمهورية بإزالة الفيتو الروسي ـ الصيني الذي واجه مشروع المؤتمر الخاص بلبنان، فكيف جرت الأمور؟
لا تخفي مراجع قريبة من قصر بعبدا الجهد الذي بُذل لترتيب الاجتماع بين الرئيسَين باراك أوباما وميشال سليمان في الأمم المتحدة على هامش دورة اعمال جمعيتها العمومية، وخارج إطار اللقاء الموسع الذي دعا اليه أوباما رؤساء الدول والحكومات المشاركة في هذه الدورة، فلم يذهب الجهد المبذول في هذا الإتجاه هباء، إذ نجحت الدبلوماسية اللبنانية في ترتيب لقاء القمّة اللبناني ـ الأميركي في اعتباره مشروعاً قائماً منذ فترة طويلة ولم تتوافق مواعيد الرئيسَين في ترتيبه.
وفي المعلومات المتداوَلة بين مواقع وشخصيات، كلام كثير عن مواعيد سابقة ومحاولات لم تكتمل، فيوم وصل رئيس الجمهورية في تموز الماضي الى الولايات المتحدة الأميركية لإجراء جراحة في جفن عينه، كانت هناك إتصالات حثيثة لترتيب لقاء بينه وبين أوباما لمناقشة بعض الأفكار حول الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان والأوضاع الإقليمية. ويومها قيل لسليمان إنّ المواعيد متلاحقة وإنّ أجندة الرئيس الأميركي تتضمّن رحلة الى خارج العاصمة والبلاد.
وأضافت الرسالة الأميركية الجوابية يومها، ولطالما انّ ما يريد الرئيس اللبناني طرحه يتصل بالأزمة السورية وانعكاساتها على دول الجوار فإنّ لدى الرئيس الأميركي ما يقوله لسليمان ايضاً باهتمام وعناية خاصة بالوضع في لبنان، ولذلك سيكلّف وزير خارجيته جون كيري نقلَ الرسالة الى سليمان في زيارة حُدّدت مبدئياً في 31 تموز الماضي عندما يجول كيري في المنطقة ويكون له لقاء طويل معه.
وشاءت الظروف أن تتغيّر أولويات كيري الذي كان يواكب ملف الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي الطارئ والوضع في سوريا، فكلف نقل الرسالة عبر السفارة الأميركية في بيروت فيما كانت السفيرة السابقة مورا كونيللي قد وصلت تواً من واشنطن لتوضيب اوراقها ومغادرة لبنان بعد أسابيع.
وعلى هذه الخلفيات تمّ ترتيب الموعد الجديد بجهد إضافي بذلته السفارة اللبنانية في واشنطن وبالتنسيق مع شخصيات صديقة ساهمت في حجز الموعد أيّاً تكن الظروف، وقد تبلّغ لبنان هذا الموعد بدقة، بعدما تبيّن انّ اوباما ألغى مواعيد عدة على هامش اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومنها لقاؤه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أُرجِئ الى 30 الجاري في واشنطن، فيما أُبقى على لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقالت مصادر ديبلوماسية انّ أوباما سيكون صريحاً في تأييد مواقف سليمان "كمؤتمن على وحدة المؤسسات في لبنان ودعوة اللبنانيين الى النأي بأنفسهم عن الوضع في سوريا ليتمكن العالم من حماية الإستقرار فيه ومنع أيّ اعتداء يمكن أن يتعرّض له مع الإصرار على دعمه مالياً وعسكرياً وإقتصادياً لمواجهة أزماته الداخلية وتلك التي انتقلت اليه من جارته سوريا".
وعلى هامش ترتيب الموعد بين سليمان وأوباما، قالت المصادر الديبلوماسية إنّ لبنان نجح في تبديل مواقف كلّ من روسيا والصين اللتين اعترضتا على المؤتمر الخاص بلبنان في الأمم المتحدة والمقرّر غداً في اعتبار انّ الترتيبات الجارية في شأنه لا تستثني أحداً من دول الجوار السوري، وانّ هناك سلسلة من المؤتمرات انعقدت من اجل هذه الدول كافة، فلماذا تخصيص لبنان بمؤتمر لوحده.
وفي المحصّلة، تفيد المعلومات انّ الضغوط التي مورست على هامش "قمة العشرين" في سان بطرسبرغ والتي قادها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أثمرت انقلاباً في موقفَي روسيا والصين دفعهما الى توجيه رسالة قوية الى سليمان عشية اللقاء الأخير الذي جمعه في قصر بيت الدين مع سفراء الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن والجهات والمؤسسات المانحة، وأكّدتا فيه دعمهما المطلق لمطالبه وإصراراً على المشاركة في هذا المؤتمر بمستوى رفيع بعدما تقرّر أن تكون هذه المشاركة على مستوى وزراء الخارجية.
وعلى هذه الخلفيات تتجّه الأنظار الى نيويورك لترقّب نتائج لقاء القمة اللبناني ـ الاميركي والمؤتمر الخاص بلبنان، ليُبنى بعدهما على الشيء مقتضاه.