لا يختلف حال الفلسطينيين الذين ولدوا وترعرعوا في لبنان عن حال المواطنين خلال الأحداث اللبنانية من حروب وانقسامات وما تبعها من عمليات خطف وقتل وتصفيات. ولا يختلف مصير هؤلاء الفلسطينيين عن مصير اللبنانيين القابعين، مرغمين، في السجون السورية يقتاتون من الظلم وينامون على أسرة الألم. عماد ابراهيم عبدالله، أو الملقب بـ"جواد عبد المجيد غريب" هو أحد ضحايا الإنقسام الفلسطيني والإستغلال السوري إبّان احتلال الجيش السوري للبنان. فعماد، إبن العشرين عامًا، والذي كان ملازما أول في حركة "فتح"، سُلّم في حزيران 1984 على يد جماعة "أبو موسى" الإنتفاضة إلى المخابرات السورية في طرابلس في الشمال، بعد أن كان قد عاد من ألمانيا لـ"يقاوم" في لبنان. سامية عبدالله، شقيقة عماد، تروي لـ"النشرة" تفاصيل اختفاء أخيها الذي كان معتقلا في السجون الإسرائيلية قبل سفره إلى ألمانيا ثم العودة إلى لبنان واختفائه على يد المخابرات السورية بتهمة "التعامل مع اسرائيل"!
لم تعلم عائلة عبدالله عن ابنها شيئا بعد عام 2003. ففي ذلك العام، أرسل عماد رسالتين مكتوبتين بعود كبريت إلى ذويه مع شقيق أحد السجناء، قال فيها: "أنا مريض، أنا تعبان، نفسيتي تعبانة، أرجوكم خلصوني". رسالتان مرّت عليهما عشرة أعوام، دون أن "يخلص" أحد عماد أو يشفي أوجاعه. شقيقته تؤكد "وجود وثائق تبرهن أن عماد موجود في السجون السورية، بينها أسماء نشرتها جريدة "الدستور" الأردنية تتضمن إسم عماد على أنه من المعتقلين في السجون السورية غير المصرح باسمهم. أمّا سجلات السجون السورية، فتضمنت في العام 1987 إسم "عماد ابراهيم عبدالله" مواليد 1964، لكن السلطات نفت لشقيق عماد أن يكون فلسطيني الجنسية بل سورياً". وفضلا عن الأوراق والمستندات، فإنه لا يمكن تكذيب من رأى عماد من معتقلين سابقين. شقيقة عماد تقول: "دولتنا اللبنانية اللي عشنا وربينا فيا ما بتركض ورا مصلحة الشعب"، وتتمنى للنظام السوري "السقوط وفتح السجون ليخرج كل شاب مظلوم منها"، مبدية "عتبا على الدولة اللبنانية التي توجد لديها ملفات كافة الذين اعتقلوا على الأراضي اللبنانية واقتيدوا إلى السجون السورية"، مشيرة إلى اللجنة اللبنانية السورية المشتركة المولجة متابعة الملف، قائلة: "ما تسألي عنا، اللبنانيون فيها ليسوا لبنانيين".
تتحدث سامية بحسرة عن معاناة العائلة خلال غياب عماد، ومعاناة مئات العائلات لغياب أبنائها وإخفائهم في السجون السورية، "نحنا تعبانين، والله حرام"، تقول سامية، مشيرة إلى أن "أخيها محفور في قلبها ولن تنساه وهي تنتظر أن تراه"، لافتة إلى قول والدتها قبل أن تموت: "الله لا يسامحكن إذا بتنسوا عماد.."
تتذكر سامية "فظائع" النظام السوري في أحد أحياء بيروت الذي كانت تقطنه مع عائلتها. "كانوا يجيبوا الشباب بصناديق السيارات ونحن كنا شاهدين على ضربهم وتعذيبهم بمختلف الطرق"، قائلة: "ما معقول يكونوا كلّن ماتوا"، مؤكدة أن "الأحزاب اللبنانية هي التي كانت تسّلم الشباب اللبنانيين والفلسطينيين إلى المخابرات السورية"، معتبرة أن "حسابهم عسير عند الله أما نحن فنريد أن تتمّ محاسبتهم اليوم قبل الغد".
"عماد لا يزال حيا يرزق في سوريا ولكننا لا نستطيع إخراجه"، تكشف سامية لـ"النشرة"، مشيرة إلى ان "هناك من أكد للعائلة قبل عدة أشهر أنه لم يمت". فكم سينتظر الأهالي بعد لمعرفة مصير أبنائهم؟ وكم من أمٍّ سيغافلها الموت، كأمّ عماد، قبل أن تتنشق رائحة إبنها؟
هذا الموضوع هو الجزء الثامن من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".
الأجزاء السابقة:
الجزء الأول -بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟
الجزء الثاني -المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)
الجزء الثالث -أحمد حسن بشاشة: لبنانيّ مخفيّ في سوريا بين أمل العودة ومرارة الواقع (3)
الجزء الرابع -بين الحياة والموت وبين لبنان وسوريا: أحمد علي أحمد مخفي منذ الـ1982 (4)
الجزء الخامس -حسن أحمد شعيب قاتَل سوريا عام 1976 ويسكن سجونها منذ 37 عاما! (5)
الجزء السادس -داوود يوسف لحود.. مفقود التكاذب ومصالح الأحزاب مع سوريا (6)
الجزء السابع-عبدالله اسماعيل حمودة غيّبه أحد الأحزاب اللبنانية وأخفته السلطات السورية (7)