أسبوعان أمام الساعين الى خطة جديدة لأمن طرابلس بعد تجربة الضاحية الجنوبية، وعيد الأضحى آخر المهل. هذا ما خلص إليه الإجتماع الوزاري ـ النيابي ـ الأمني الذي انعقد في السراي الحكومي، وتمّ الإعتراف خلاله بأزمة ثقة عمرها ثلاثون عاماً، فكيف يمكن معالجتها في أسبوعين؟
قبل أن يظهر ما يدلّ الى فشل أو نجاح التجربة الأمنية الجاري إختبارها في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ مطلع الأسبوع الجاري، استعجل رئيس الحكومة بـ "صفته الطرابلسية" ومعه وزراء المدينة ونوابها البحث عن خطة جديدة لتعزيز الأمن فيها، فكان اللقاء في السراي أمس جامعاً ميقاتي بجميع المكلّفين أمن طرابلس مع من يمثّلها وزارياً ونيابياً في حوار افتقر الى خريطة طريق سياسية وأمنية وعسكرية وانتهى الى قرار كلّف بموجبه مجلس الأمن المركزي وضع الخطة الجديدة على أن تواكبها خطة إنمائية مستدامة، وأُمهِلَ المعنيّون حتى ليلة عطلة عيد الأضحى لإنجازها بعدما تعهّد رئيس الحكومة الرعاية والمتابعة.
في اختصار، هذه هي الصورة التي خلص إليها لقاء السرايا، حسب أحد المشاركين فيه، والذي قال: "حاولنا استنساخ خطة لطرابلس تشبه خطة الضاحية الجنوبية، وهو أمر سجّل إزاءه وزير الداخلية مروان شربل معادلة بسيطة نفى فيها وجه الشبه بين المنطقتين بكل المعايير". فوزراء المدينة ونوّابها الذين حمّلوا ميقاتي قبل الإجتماع مجموعة ملاحظات على آداء القوى الأمنية وجهوزها وحجمها ومدى قدرتها على الإمساك بالأمن لم يوفّقوا الى تصوّر متكامل لما هو مطلوب، فغرقوا في سيناريوهات وجّهت أصابع الإتهام والتقصير الى المعنيّين بالأمر من أمنيّين وعسكريّين بعد إعلان عجزهم السياسي عن توفير موقف موحّد لأبناء المدينة شبيه بموقف أهالي الضاحية، ممّا يجري ما بين مكوّناتها في بعل محسن من جهة وباب التبانة من جهة أخرى، وصولاً إلى إعتراف أحد المعنيّين بأنها مسألة مزمنة عمرها عقود، وعلى الأقل 30 عاماً من النزاع ولا قدرة على إنهاء ما يحصل بالسياسة، مطالبين القادة الأمنيّين بحسم الموضوع بما يرونه مناسباً.
وبناءً على هذه النظرية التي عكستها المداولات والآراء، كان سهلاً على وزير الداخلية الردّ بنظرية واقعية أبرز فيها وجوه الإختلاف بين الضاحية وطرابلس. فقال: "نفّذنا في الضاحية الجنوبية أمر عمليات واحد، "ضبط الوضع الأمني، وحماية الناس ومواجهة مخططات زرع المتفجّرات ومكافحة ظاهرة الأشخاص المشبوهين فيها" .
أمّا في طرابلس فالمهمّة مهمتان، الأولى لها الأولوية للعبور منها الى الثانية وهي تقضي بـ"المصالحة السياسية بين الأطراف المتصارعين"، ومتى نجحت هذه المهمة، يمكن إستنساخ المهمة الثانية من تجربة الضاحية الجنوبية لضبط الوضع الأمني في المدينة وحمايتها من التفجيرات والأشخاص المشبوهين.
وفي ضوء هذه المعطيات تغيّرت أولويات النقاش، فأكّد ميقاتي أهمية المضي في البرامج الموضوعة لإنماء المدينة وسد الحاجات التي تمنع إستمرار التوتر في المدينة. ثم تلاحقت آراء المجتمعين وتوسّع بعضها ساخراً من مظاهر الفلتان، وقال أحدهم: "انّ شوارع المدينة تقفل يومياً تقريباً لأسباب مختلفة، تارة بسبب التأخير في دفع التعويضات للمتضرّرين، وطوراً بسبب غلاء الأقساط المدرسية أو بسبب توقيف مطلوب للعدالة او متسبّب بإطلاق نار".
وفي هذا السياق سأل أحد النواب وزير الداخلية عن عديد القوى الأمنية في المدينة طالباً توضيحاً لإعلانه قبل ايام عن انّ في طرابلس 4000 عسكري، فكان الجواب انّ العديد يناهز الـ 900 عنصر من قوى الأمن الداخلي، منهم 600 ينفّذون المهمّات ميدانياً أمّا الـ300 الآخرون فهم من الشرطة القضائية والقوى السيّارة وشعبة المعلومات. ولم يتحدث ايّ من المجتمعين عن حجم قوة الجيش المنتشرة في المدينة.
وقال شربل: "الجيش يفصل بين الطرفين ولكن الأمور مرهونة بمصالحة سياسية تنهي حال العداء بين المناطق والناس فتسهل المهمة الأمنية والعسكرية بالتأكيد". وردّ أحد الوزراء "انّ المعضلة قديمة ولا قدرة على إنهائها في الوضع الراهن لألف سبب وسبب". وقد تسبّبت هذه النظرية بجدل اضطر خلاله وزير الداخلية الى الدعوة للتفاهم مع قادة المحاور لإنهاء هذه الحال بين المناطق والأحياء، فاعترض أحد النواب على الأمن بالتراضي"، فردّ شربل انه "أمن بالتفاهم". فدخل الوزير فيصل كرامي على الخط مقترحاً دمج المسلّحين بالقوى الأمنية وهو امر دفع بالنائب سامر سعادة الى الإعتراض، قائلاً: "انّ هذا الحل هو أسوأ الحلول المقترحة وقد دلّت التجارب السابقة على خطورته".
وانطلاقاً ممّا تقدّم، قال أحد المشاركين في اللقاء "إنّ ما جرى كان "حوار طرشان" ضاعت معه المسؤوليات على وقع الإتهامات المتبادلة"، وختم: "ضيّعنا ساعة ونصف ساعة من وقتنا... والبقية تفاصيل".