"هنا ولدنا وهنا نريد أن نموت"! إنّها عبارةٌ كرَّرها كثير من المسيحيين في السنوات الأخيرة، في لبنان وفي العراق وفي مصر وفي سوريا، عند إجبارهم على تغيير دينهم أو قبل استشهادهم لحبِّهم لربّهم يسوع المسيح. هكذا يناهض المسيحييون اليوم، وبشهدون لإيمانهم كما ناضلوا أجدادنا المسيحيون الأوائل لإيمانهم وهكذا بقيَ الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط مهدَ المسيحيّة وأرض الرسل والقديسين.
ألفا سنة من الشهادة الإيمانيّة، من التثقيف والتعليم، من تقديم الخدمات الروحيّة والاجتماعيّة والصحيّة. ألفا سنة والشرق يتألَّق بعظمة وبإبداع أبنائه الحاضرين والمغتربين. ألفا سنة وسيولٌ من دماء المسيحيّين تروي أرض الشرق وتنبت المحبة والعيش المشترك والوحدة. إنَّها المسيحيّة التي دامت أعواماً وقروناً، وستدوم إلى الأبد لأنَّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها، حسب قول فادينا يسوع المسيح.
المسلم هو المُفتخر الأوَّل بأنَّه تعلَّم وتخرَّج من مدارس الراهبات. أهل الإسلام هم الحجّاج في شهر أيار إلى مزار سيّدة لبنان. أهل الشيعة هم مَن يستقبلون المطارنة في الجنوب. الدروز لا سيما الشباب هم مًن يقرعون أجراس الكنائس في الشوف. رهباتٌ ومكرَّسات يخدمْنَ ليلاً نهاراً في المستشفيات والمستوصفات دون تفرقة بين مسلم أو مسيحي. وعندما يكون المسلم بحاجة ماسّة لأيّ غرضٍ ما، يتوجه نحو المسيحيّ طالباً المساعدة لأنَّه عالِمٌ بأنَّ المسيحيّ لا يغلق بابه بوجه أحد. هذه صورة مصغَّرة عنما قدَّمه ويقدِّمه المسيحيّ للمسلم، أخيه في الإنسانيّة وفي الأرض.
نرى اليوم، حملةً واضحةً ينظمها الغرب بواسطة أشخاص شرقيين وبمساندة بغض الغربيين، لتهجير مسيحيي الشرق من منازلهم وأوطانهم. توضِّح الإجصاءات كثرة عدد المهاجرين المسيحيين من سريانٍ وكلدانٍ وكاثوليك مِن العراق. كما تبرهن الدراسات على كميّة الأقباط الارثوذكس والكاثوليك الذي تركوا مصر سعياً وراء حياةٍ أفضل. ليس لنا اليوم من شاهدٍ أكبر على تهجير المسيحيين من سوريا، بما يفعلونه ليس فقط في الأشخاص المسيحيين الذين يُرْغَمون على الاختيار بين الأسلمة أم الموت إذا أعلنوا إيمانهم بل بالكنائس وبالأماكن المقدسة وبالمقدسات من قبل من يدَّعون أنَّهم مسلمون. أهكذا تبادلون المسيحيين بما قدَّموه لكم طوال ألف وست مئة سنة، وبما يقدَّموه لكم اليوم؟ نعم، نحن كمسيحيين نصليّ من أجلكم في هذا الوقت وكلَّ يوم:"اغفر لهم يا أبتاه لأنَّهم لا يدرون ماذا يفعلون".
فإذا كان مشروعكم تهجير المسيحيين من الشرق، وإذا أردتم أن تأخذوا منارلنا وأرضنا وأوطاننا وشرقنا، وإذا أردتم شرذمتنا. فهنيئاً لكم لورثتكم لأنَّه لا مستقبل لكم. نعم، هنيئاً لكم لأنكم ستعيشون بدون الآخر، لأنّكم ستعيشون متخلِّفين بلا عِلم وبلا مدارس وبلا جامعات. نعم، هنيئاً لكم لأنَّكم ستموتون على أبواب المستشفيات لأنه ليس مِن أحدٍ ليخدمكم ويعينكم. نعم، هنيئاً لكم لأنَّ أزمتكم ستكون معقَّدة أكثر لانَّه ليس بمعين. فإذا تفضلون هذا النوع من الحياة، فتابعوا مشروعكم لأنَّ الخاسر الأول هو أنتم.
يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة، أنتم تؤمنون بالله تعالى وأنا أؤمن بالله المتجسِّد. أنتم أيها المؤمنون المسلمون الحقيقيون، هل تقبلون بما يقوم به إخوتكم باسم دينكم وباسم إلهكم؟ أنتم الذين تقرأون في الفاتحة بأنَّ الله رحوم، فهذه هي رحمة الله الذي علَّمها للإنسان؟ أين أنتم أيها المسلمون المؤمنون اليوم مما يحصل في الشرق من أيدٍ مسلمة ملطَّخة بدماء الشرفاء؟ فيا أيها المسلمون الحقيقيون، إن كنتم حقاً مؤمين بأنَّ رسالة الله لكم يمكنكم أن تحقِّقوها من خلال أخيكم الإنسان، فأرى أنَّ المسلم الحقيقي هو مَن يثور اليوم على أخيه المسلم المجرم لكي يتوقف عمّا يقوم به. كم هو عدد الأشخاص الذين يدَّعون أنهم مسلمون ويقومون بهذه الأعمال البشعة؟ وكم هو عدد المسلمين الحقيقيين في الشرق؟ لماذا المسلمون الحقيقيون الأكثرون لا تثووون، لماذا أنتم صامتون؟ فهل أنتم مقتنعون؟ إنني من المؤكّد أنَّ جوابكم سلبي.
نحن باقون، وشهداتنا باقية، لأنَّ إيماننا حيّ ومسيحنا حيّ، مهما هجَّرتمونا ومهما صلبتمونا. ولكن افحصوا ضميركم يا مَن تقتلون الإنسان باسم الله، وافحصوا ضميركم أنتم يا مَن تقبلون بما يقومون به شركاؤكم في الوطن وفي الدين.