لا يعرف كثيرون قزحيا فريد شهوان، وبعض من يعرفه من أبناء الدولة يغضون الطرف عن غيابه. لا من يطالب به سوى زوجة، وأربعة أولاد لم يتعرفوا على أبيهم إلا من خلال بعض الصور باللونين الأسود والأبيض. فقزحيا إقتيد من مركز عمله في إحدى شركات الكيماوي في سلعاتا يوم 22 تموز 1980 على يد المخابرات السورية، ولم يعد منذ ذلك الحين إلى عائلته. ففي ذلك اليوم، ورده اتصال من المخابرات السورية، التي كانت تتعامل مع الشركة، طلبت فيه لقاءه، وكان بانتظاره عنصران عند باب الشركة اقتاداه إلى مركز سلعاتا، ثم شكا، فالهيكلية في طرابلس، والشتورا، ومنه إلى الداخل السوري في الشام وبعدها إلى سجن المزة. ناهل شهوان، زوجة قزحيا، تروي لـ"النشرة" تفاصيل ملاحقتها لقضية زوجها، منذ اليوم الأول لإخفائه، قائلة: "لحقتو من مركز لمركز 15 يوم"، مشيرة إلى أنها "كلما كانت تسأل عنه في مراكز المخابرات السورية، كانوا يقولون لها أنه أرسل إلى مركز آخر، إلى أن قال لها أحدهم: "إنتو اللبنانيين اتفقوا بين بعضكن، نحنا ما منقتل حدا". وبعد فترة قصيرة علمت ناهل، من زوجة أحد المعتقلين في سوريا أن زوجها موجود في سجن المزّة، قبل أن يرسل لها مركز الارتباط ورقة تؤكد أن قزحيا في السجن المذكور، وأنه يحق لها بزيارته هناك.
بعد مضي ثلاثة أشهر ونصف على اعتقال المخابرات السورية لقزحيا، زارت ناهل زوجها في المزة. الزيارة كانت طبيعية. لا أثار تعذيب أو ضرب على جسد قزحيا الذي شدد خلال اللقاء على أنه لم يقم بأي فعل جرمي. ومنذ ذلك اليوم، كانت الزوجة كلما سألت عن زوجها، يقال لها أنه نقل إلى فرع فلسطين، أو أنه انتقل إلى فرع آخر ولا يُعرف مكانه.
لا تنفي الزوجة انتماء قزحيا لـ"حزب الكتائب اللبنانية" آنذاك، "كان كتائبيا، ومعه بطاقة خليّة. هيدي الورقة كرمال الشغل لأن الأحزاب كانت مسيطرة"، تشرح ناهل، قائلة: "بعنا شبابنا للسياسيين وما سألوا عنا"، مشددة على أن "زوجها الذي عرّف عنه أحد الضباط في سجن شتورة بأنه "المجرم الكتائبي"، لم يرتكب أي فعل مخالف للقانون، وهو لو كان مجرما فعلا لما سلّم نفسه بيده إلى المخابرات السورية".
في عام 1997، تمكن أحد الأشخاص من تأمين زيارة خاطفة إلى سجن صيدنايا، حيث التقى قزحيا، الذي نفى علمه بسبب اعتقاله. ناهل تبدي عتبا كبيرا على الدولة اللبنانية التي لم تسأل عن أبنائها المخفيين في سوريا منذ 30 سنة. هي لا تريد شيئا من الدولة، وتؤكد أنها لا تخاف النظام السوري أو غيره، لأن الحق إلى جانبها، مشددة في المقابل على أن "السياسيين آنذاك لم يكونوا خائفين من النظام وقوته، بل كانوا متحالفين معه"، معتبرة أنهم لو أرادوا، "بيطلع بإيدن"، مضيفة: "قالوا لي في سوريا فلتطالب بهم الدولة اللبنانية، لنطلق سراحهم".
تضع ناهل آمالها على الهيئة الوطنية للمخفيين قسرا التي وعد وزير العدل شكيب قرطباوي بتشكيلها، مشيرة إلى أن اللجنة اللبنانية-السورية التي شكلت سابقا ليست لجنة فعلية، و"ما حطوا تقلن عليها"، لافتة إلى أن "قرطباوي وعد بتحريك الملف ونحن نريد ممثلين عن لجنة "سوليد" لأنها من عملت وتعمل فعلا من أجل القضية وعملها إنساني وليس سياسي".
يوم حصلت ناهل على إذن مكتوب لزيارة زوجها في سجن مزة، لم تتصور أنه سيمضي في الأراضي السورية أكثر من 30 عاما، بعيدا عن أولاده الأربعة الذين لم يعرفوه إلا من خلال الصور. يومها، لم تدرك أن احتفاظها بتلك الورقة، سيشكّل دليلا حسّيا على وجود زوجها الأكيد في السجون السورية. وعلى رغم إدراكها صعوبة الموقف، تؤكد ناهل أنها ستبقى تطالب بزوجها طالما أنها على قيد الحياة، وتشدد على أنها لم ولن تقبل يوما التوقيع على وثيقة وفاته.
في المقابل، تبدي ناهل خوفها من تغيير النظام في سوريا. فالصورة تبدو ضبابية. هل من سيأتي بعد النظام سيقتل اللبنانيين المخفيين قسرا في سوريا أو يحررهم؟ "الخوف يبقى من أن يأتي أحد "ألعن" من (الرئيس السوري) بشار الأسد إلى الحكم"، هكذا تختم الزوجة ناهل حديثها لـ"النشرة".
هذا الموضوع هو الجزء التاسع من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".
الأجزاء السابقة:
الجزء الأول -بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟
الجزء الثاني -المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)
الجزء الثالث -أحمد حسن بشاشة: لبنانيّ مخفيّ في سوريا بين أمل العودة ومرارة الواقع (3)
الجزء الرابع -بين الحياة والموت وبين لبنان وسوريا: أحمد علي أحمد مخفي منذ الـ1982 (4)
الجزء الخامس -حسن أحمد شعيب قاتَل سوريا عام 1976 ويسكن سجونها منذ 37 عاما! (5)
الجزء السادس -داوود يوسف لحود.. مفقود التكاذب ومصالح الأحزاب مع سوريا (6)
الجزء السابع-عبدالله اسماعيل حمودة غيّبه أحد الأحزاب اللبنانية وأخفته السلطات السورية (7)
الجزء الثامن-عماد ابراهيم عبدالله: معتقل سابق في اسرائيل ومتهم بالعمالة لها من قبل سوريا؟! (8)