بلغت تداعيات اللقاءات الجانبية التي رافقت أعمال الهيئة العامة للأمم المتحدة منظمة دول التعاون الخليجي، فارخت بظلالها الثقيلة على عدد منها خصوصاً أنها لم تكن بأجواء التسوية، وبالتالي فانها لم تقدر حجم التسوية أو الصفقة، اذا ما جاز التعبير، ما أخرجها من المعادلة الاقليمية ووضعها في خانة الدول المتلقية بعيداً عن قدرتها على المبادرة، بالرغم من تشكيلها رأس حربة الحرب على سوريا وتمويلها لحركات الربيع العربي التي طاولت دول الجوار.
في هذا السياق، يكشف زوار دولة خليجية فاعلة أن الأمور وصلت في بعضها إلى حدود ملامسة السقوف المرتفعة خصوصاً بعد التقارب الأميركي الايراني، وترجيح وزير الخارجية جون كيري احتمال التوصل إلى اتفاق سريع مع ايران بشأن برنامجها النووي، ومن ثم انتقاد الحرس الثوري الايراني للرئيس حسن روحاني على خلفية عدم رفضه التكلم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وذلك في مشهد هجين رجح معه المراقبون أن ايران تلجأ كعادتها إلى لعبة تقسيم الأدوار، وهي رائدة في هذا المجال كما في مجال التفاوض.
وما زاد في الطين بلة، بحسب هؤلاء، هو ما كشفته صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية حول مخطط لتقسيم عدد من الدول العربية، بما فيها السعودية، التي لا تعيش أفضل أيامها بعد فشلها في تحقيق أي هدف استراتيجي ومركزي، بالرغم من التجييش والدعم والتمويل وتحويل المعركة إلى مذهبية بامتياز، بيد أن الفشل الأخير تجلى بعد زيارة رئيس جهاز المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان إلى موسكو من خلال عدم قدرته على تسويق سياسة العصا والجزرة مع الجانب الروسي الذي رفض العروض مقابل التنازل عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد.
في الموازاة، لم يستبعد هؤلاء أن يلعب سلطان عمان قابوس بن سعيد دور الوسيط المحوري بين دول المنظمة الخليجية من جهة، وايران من جهة ثانية، خصوصاً بعد أن بدأت السلطنة بممارسة سياسة الانفتاح والدبلوماسية الهادئة في نفس الوقت مستفيدة من الارباك الذي يعم الدول الخليجية التي شاركت في الحرب على سوريا من قريب أو من بعيد، فالخلاف الايراني السعودي معروف في خلفياته وتفاصيله وأهدافه ولعبة الكباش بينهما مستمرة منذ سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الكويت التي شاركت تمويلاً في أكثر من مفصل ولأكثر من جهة لبنانية وسورية معارضة.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لقطر المربكة بعد تغيير أميرها المحنك واحلال نجله الأقل خبرة ودراية في السياسات الخليجية والاقليمية، فضلاً عن أنها لم تتمكن بعد من استعادة أنفاسها بعد عملية التغيير، بينما تفضل الامارات عدم زج نفسها في صراع مع الدولة الاسلامية لعدة اعتبارات أبرزها اقتصادية ومبدئية، فهي من جهة تخشى تورطها العلني مع أنها وقفت سياسياً إلى جانب الثورة السورية، ومن جهة ثانية تتجنب ردة فعل ايرانية، بحيث لم يتبق أي دولة من منظومة التعاون مقبولة للعب دور الوسيط المعتدل سوى سلطنة عمان التي لم تكسر الجرة مع السعودية ولا مع ايران التي شاركت معها في مناورات بحرية، بل عززت العلاقة من خلال زيارة عمانية لايران سرعان ما تبين أنها لمد شبكات تواصل دبلوماسي بين الولايات المتحدة ودول الخليج من جهة وايران من جهة ثانية، بحيث يصح القول، بحسب هؤلاء، أن ما حصل في الأيام الأخيرة الماضية كان ترجمة عملية لزيارة الأمس القريب.