بات السياسيون في لبنان في الأيام الأخيرة ينامون ويستيقظون على انباء العلاقات والاتصالات الخليجية الاميركية من جهة والايرانية من جهة أخرى، بعد فتح صفحة جديدة بين واشنطن وطهران منذ تسلم الرئيس حسن روحاني سدة الرئاسة في بلاد فارس التي يمتد شعاع خريطتها السياسية وتأثيرها على أكثر من بلد في المنطقة ولبنان ليس بعيدا منها.
ويبدو أن التباطؤ في العلاقة بين الرياض وطهران واعلان روحاني عن عدم مشاركته في موسم الحج في السعودية هذه السنة لم تستقبله جهات لبنانية عدة بارتياح، لأنها كانت تأمل اجراء حلحلة في أزمة تأليف الحكومة التي تراوح مكانها من دون حدوث اي تقدم ملموس في مسار التشكيل وفق صيغة 8_8_8 او على طريقة 9-9-6 .
ويجمع أكثر من طرف على ان البلد يمر الآن في مرحلة الانتظار الطويل بفعل عوامل محلية واقليمية وقد تمتد أسابيع. وان اللبنانيين سيعتادون على هذا الستاتيكو الى حين حصول خرق على خط الرياض - طهران.
وأمام هذا الواقع المسدود ترى جهات فاعلة في 8 اذار، ان ثمة فرصة عند رئيس الجمهورية ميشال سليمان هي العودة الى طاولة الحوار، مع المعرفة المسبقة للنقاط الشائكة وشريط الخلافات المعروفة التي تتصدر أجندة الافرقاء عند أول احتكاك ووجها لوجه. ورغم ذلك فان الدخول في الحوار يساعد في ولادة الحكومة التي لن تعمر أكثر من ستة أشهر، على قول رئيس مجلس النواب نبيه بري، لان استحقاق الانتخابات الرئاسية أصبح على الأبواب، وانه ليس المطلوب إحداث كل هذه الضجة في هذا الوقت الضائع الذي يهدد الحياة الاقتصادية والمعيشية للبنانيين، وما مأساة أبناء عكار في بحر اندونيسيا الا واحدة من هذه المعاناة.
ويعارض بري من يقول ان الحكومة المقبلة ستتسلم مقاليد السلطة في البلاد وأن لا مجال لاجراء الانتخابات قبيل انتهاء ولاية الرئيس سليمان. مؤكدا ان الانتخابات ستحصل في موعدها والا فان اللبنانيين يفرطون بوطنهم ويأخذونه الى شاطئ المجهول والضياع.
وفي المقابل ثمة من يشكك في بناء "عمارة" الحوار في هذا التوقيت اذا لم تحصل على "مباركة" من الخارج المهتم بتطورات الأزمة في سوريا.
وثمة من يسأل أيضا هل سليمان قادر على فتح باب الحوار الان وفي ظل حال الانقسام التي يعيشها سائر الافرقاء مع التعويل على الحصيلة التي سيخرج بها الرئيسان بري وفؤاد السنيورة بعد زرعهما بذور عناصر ايجابية تساهم في حال انتاجها في تأليف الحكومة واطلاق يد الرئيس المكلف تمام سلام من السرايا اذا جلس على الكرسي الثالث في البلد، رغم ما ينتظره من مشكلات اختلافات في وجهات النظر بين الافرقاء حيال أكثر من ملف؟
ومن هنا تبرز أهمية وجود "الحاضنة الاقليمية" التي يعول عليها كثر في لبنان لتأليف الحكومة التي طال موعد انتظار ولادتها بعد الضربة الموجعة التي تلقتها صيغة 8-8-8 من الأمين العام لـ" حزب الله" السيد حسن نصرالله أولا والتي أكمل عليها رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط.
ويروي قياديون في 8 آذار انهم منذ اليوم الأول الذي التقوا فيه سلام في دارته في المصيطبة أكد له أحدهم ان هذه الصيغة لن تمر ولن يكتب لها النجاح. وسمع سلام منه ان أمامه فرصة الاستفادة من دعم الرئيس بري الذي أعلن " استقلاله" عن 8 آذار في شأن تأليف الحكومة وانه يفاوض باسم حركة "أمل" بعيدا من حليفيه "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".
وتكشف هذه الاوساط انه من أجل تفكيك صيغة 8-8-8 والخروج منها عرض على سلام ان يشارك في اختيار الوزير التاسع " الملك" شرط ان يكون محسوبا على 8 اذار، الا ان هذا المخرج لم يلق تجاوب سلام الذي أصبح من الصعب تحقيقه اليوم بعد "دفن" تلك الصيغة.
كذلك جرت مصارحة سلام بأن من حق قوى 14 آذار ان تمثل بـ10 وزراء لانها تشكل الغالبية في مجلس النواب.
ومن باب امانة، وفق وصف اوساط 8 آذار، ان الرجل يرفض صيغة الـ 9-9-6 التي كان قد قرأ عن تفاصيلها في الاعلام. وبعد كل هذا التأخير لا يحسد سلام على التخبط الحاصل والازمة المفتوحة التي كشفت عن هشاشة انتظام المؤسسات الدستورية وسيرها في البلد، من مجلس النواب الى حكومة تصريف الأعمال .
تحصل كل هذه الأمور وسط تخوف كثيرين من عودة مشهد سقوط الضحايا والجرحى جراء السيارات المفخخة التي لم ينسها اللبنانيون بعد، ولا سيما أبناء الضاحية الجنوبية وطرابلس.