قد يكون البعض اعتقد أنّ القوى السياسية اللبنانية المختلفة، على ضفتي قوى الثامن والرابع عشر من آذار، سوف تتعظ من الكارثة التي وقعت بأبناء وطنها في البحر الأندونيسي، في رحلة هروبهم من الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في بلدهم، إلى بلد الحلم أستراليا، لكن في حقيقة الأمر هذا لم ولن يحصل على الإطلاق.
منذ اللحظة الأولى لوقوع الكارثة، كان من الواضح أن كل فريق سيسعى إلى استغلال الحادثة على طريقته في الصراع السياسي القائم الذي تخطى كل الحدود، لكن في المحصلة هناك المزيد من المواطنين الذين يتحضرون للمغامرة من جديد، حتى ولو كان الثمن حياتهم.
ما بين السلاح والسياسات المالية
لم يكن من المستبعد أن تسعى كل من قوى الثامن والرابع عشر من آذار إلى استغلال أي أمر في صراعها السياسي المستمر منذ سنوات عديدة، لكن أن تصل الأمور إلى حد استغلال هكذا كارثة يخرج عن كل منطق، لا سيما أن الدولة اللبنانية لم تتمكن حتى الساعة من استعادة الناجين أو جثث الضحايا.
وفي هذا السياق، عمل البعض في قوى الرابع عشر من آذار إلى توجيه الإتهامات إلى حكومة تصريف الأعمال بالوقوف وراء هذه الكارثة، في حين ذهب البعض الآخر إلى تحميل سلاح "حزب الله" المسؤولية عن ذلك، وهذا الأمر كان البعض يعتبرون أنها سوف تلجأ إليه على سبيل السخرية، لكنها بالفعل أقدمت عليه.
وحول هذا الموضوع، تستغرب مصادر نيابية في هذه القوى الضجة التي تُثار حول موقفها هذا، وتشير إلى أن مختلف الأزمات في البلاد سببها سلاح الحزب الذي يُعطل كل شيء، وتلفت إلى أن هذا السلاح هو الذي يُعرقل اليوم تشكيل الحكومة، كما أنه "ورط" لبنان في الحرب السورية، الأمر الذي انعكس على الإستقرار فيه.
في الجهة المقابلة، كانت قوى الثامن من آذار ترد على هذه الإتهامات من خلال الدعوة إلى التعاطي مع هذه الكارثة من منطلق إنساني بحت بعيداً عن الإستغلال السياسي، لكنها في نهاية المطاف إنجرفت إلى هذا الأمر من خلال توجيه الإتهامات إلى السياسات المالية التي كانت معتمدة منذ العام 1993.
وترى مصادر نيابية في هذه القوى أن هجرة المواطنين بسبب الأوضاع الإقتصادية قد يكون منطقياً أكثر من الإتهامات التي يوجهها الفريق الآخر، وتشير إلى أن هذا الفريق هو الذي كان مسؤولاً عن السياسات الإقتصادية والمالية طوال السنوات السابقة، وتذكر بأن أركانه كانوا يتغنون بأن هذه السياسات كانت من اختصاصهم أيام الوجود السوري، في حين أنّ الملف الأمني كان من اختصاص الفريق الآخر بحسب ما يدّعون.
ماذا بعد؟
أمام هذه المعطيات، لم تستطع الكارثة الأندونيسية أن تغيّر أي شيء على صعيد الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد، لا بل هي قد تصبح قريباً في طي النسيان من دون أخذ أي عبرة منها، في حين قد يكون هناك المزيد من المواطنين الذين يفكرون في تكرار التجربة على أمل النجاح في مهمة الهروب إلى بلاد الأحلام.
وفي هذا الإطار، ترى مصادر متابعة أن الرسالة التي وجهها أحد الناجين، بعد ساعات قليلة من تمكنه من الوصول إلى اليابسة، كان من المفترض أن تكون نقطة تحول في الخطاب السياسي أو على الأقل تفرض صمتاً كاملاً على مختلف المسؤولين والشخصيات، حيث أشار إلى أن الضحايا كانوا هاربين من قوى الثامن والرابع عشر من آذار على حد سواء.
وتشير المصادر إلى أن هذا الأمر كان من الممكن أن يكون فرصة من أجل التلاقي بين اللبنانيين حول هول الحادثة، وربما يكون مقدمة من أجل الدخول في حوار وطني يساهم في معالجة الملفات العالقة أو على الأقل يخفف من حدة الخطاب السياسي، لكن هذا الأمر لم يحصل كون رهان كل فريق على تحقيق إنتصار شامل يبقى هو الخيار الأول في هذه المرحلة، وترى أن هذا الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة في المستقبل سيشجع المزيد من المواطنين على البحث عن أي وسيلة للهروب من أجل الحصول على فرصة أفضل للحياة في أي مكان آخر.
في المحصلة، تثبت الطبقة السياسية مرة جديدة من خلال تعاطيها مع هذه الكارثة أنها ليست على قدر المسؤولية، لكن في ظل عدم محاسبتها من قبل الرأي العام سوف تستمر على هذا المنوال كثيراً.