بالرغم من اليقين بأنّ اللحظة السياسية المناسبة لتشكيل حكومة جديدة أو السير قدما في أيّ مشروع حل طويل الأمد أو قصيره في لبنان لم تحن بعد، تصاعدت في الأيام الماضية حملة المطالبة بتشكيل حكومة مترافقة مع مشاريع وتسريبات على غرار تسعة – تسعة – ستة، أو مصغرة مقتصرة على الأقطاب، في مشهد يعيد إلى الاذهان مرحلة تقطيع الوقت وتسجيل المواقف في ظل خريطة تحالفات قابلة لاعادة النظر في وقت يتعذر فيه القيام باي خطوة الى الامام حتى تلك التي دعا اليها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لعقد جلسة حوارية تذيب الجليد المتراكم وتخرج الوضع من دائرة المراوحة.
في هذا الوقت، يعرب زوار بعبدا عن اعتقادهم بأنّ مرحلة خلط الاوراق وإعادة النظر في التحالفات الداخلية فضلا عن التماهي مع مطالب خارجية تقضي بالتريث وعدم حرق المراحل هي التي تعيق أيّ تقدم ولو معيشي وخدماتي لا يرقى إلى مصاف الكسب السياسي او المعنوي. ويعتبرون أنّ فريق الثامن من آذار يعاني من تصدعات كبيرة تتمحور حول النظرة إلى مستقبل لبنان، إضافة إلى خلافات جذرية باتت واضحة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري و"التيار الوطني الحر" على خلفية الملف النفطي الواقع بين مطرقة الوزير جبران باسيل وسندان بري، نظرا الى ان الثاني يملك مشروعا للملف لا يتقاطع في الكثير من نقاطه مع ذلك الذي يحمله الاول، فيما تعاني العلاقة بين مسيحيي الفريق المذكور من زكزكات لا تخلو في بعض الاوقات من الحملات المبطنة، ناهيك عن عدم جهوزية "حزب الله" لأيّ تسوية سياسية في لبنان قبل أن تتضح صورة التسوية الايرانية الاميركية المزعومة من جهة ودور الجمهورية الاسلامية في المنطقة ومقارنته بالدور السعودي.
لا يقتصر الارباك والشرذمة السياسية على فريق الثامن من اذار، بحسب المصادر نفسها، بل يتعداه إلى فريق الرابع عشر من آذار الذي يعاني بدوره من انشقاقات واسعة تصل في بعض الأحيان إلى حد المنافسة غير المشروعة على الشارع لا سيما تيار "المستقبل"، الذي وصلت الأمور داخله بحسب ما يؤكد المصدر إلى حد تشكيل أجنحة بعد أن تحول رئيسه إلى ما يشبه "اللاجئ السياسي"، على حد التعبير، وهو الذي "لا يمون على إصدار بيان من توقيعه إلا بأمر من القيادة السعودية وهذا ما يؤسس إلى تناقض بالمواقف باعتبار أنّ الحرب بالنظارات تختلف عن الواقع".
بدورها، تبدو "القوات اللبنانية" في عزلة تامة، وفقاً للمصدر، وذلك بعد أن انتهى السقف الزمني الممنوح لرئيس جهاز الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان وبعد أن أوقفت الادارة السعودية أشكال الدعم كافة عن الأمير المذكور وأدواته في لبنان بحسب ما يكشف متصلون بالمملكة، حتى أنّ أحدهم يذهب إلى حدّ إبراز صحيفة ـميركية معروفة تصف الامير المعني بـ"أمير الارهاب"، ما يؤكد مقولة انتهاء السقف الزمني وهذا ما انعكس على مروحة التحالف الاذاري الواسع.
كل هذه الاعتبارات مجتمعة تؤسس إلى ما يصفه زوار بعبدا بالعقدة غير القابلة للحل، فـ"حزب الله" المتحكم بمنظومة الثامن من اذار وصمام امانها غير جاهز بعد للانخراط في تسوية سياسية قبل جلاء الموقف السوري وانتهاء دوره العسكري فيها، فيما يتريث الفريق الاذاري علّ الأيام والأسابيع القليلة المقبلة تحمل حلولا لمأزقها الداخلي. بيد أنّ عملية خلط الأوراق الجارية في المنطقة العربية تحجب الرؤية بشكل كامل وتدفع إلى الدخول في نفق الانتظار خصوصا بعد أن تحول لبنان إلى تابع للتسوية الاقليمية والدولية على حد سواء.