في بلد "الفرص الضائعة" و"السجالات الرابحة"، يبقى كلّ شيء رهن "الانقسامات" و"الخلافات" التي لا تنتهي..

هكذا، لم يعرف اللبنانيون كيف يستغلّون موضوعاً يُفترض أن يكون في غاية الأهمية، على غرار الملف النفطي، بل أدخلوه إلى "بازاراتهم" التي لا تنتهي، وأصبح مادة سجالية مثله مثل غيره، بدل أن يكون حافزاً لـ"وحدة" من نوع آخر..

دخل الملف النفطي "البازار" إذاً، وأصبح مادة "تجاذب" بين كتلٍ سياسية متناحرة لا تبحث سوى عن "مصالحها" وإن صحّ التعبير "حصصها"، واختبأت الكتل خلف صفة الحكومة، "تصريف الأعمال"، لتختلف على "دستورية" عقد جلسة لمواكبة هذا الملف "الطارئ"، الذي لا يبدو أنه سيحفّزهم أيضاً للإسراع بتأليف حكومة أصيلة، لا لشيء سوى لأنّ رئيسها أخذ قراره، وهو أنه لن يعتذر.. ولن يغامر!

خلاص لبنان يتعلق بالنفط؟!

هي "قصة فاضحة ومفضوحة"، هكذا وصفها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون الذي شنّ بعيد الإجتماع الأسبوعي لتكتّله هجوماً عنيفاً على المعرقلين من غير ان يسميهم، متّهماً إياهم بطريقة غير مباشرة بارضاء اسرائيل. وأوضح عون أنّ التغاضي عن هذه القضية لم يعد مقبولاً باعتبار أنّ "خلاص لبنان يتعلّق بها"، مشيراً إلى أنّ كل القانونيين يقولون ان الحكومة تستطيع الاجتماع واخذ القرار، والقرار سيؤخذ تبعا لمعايير اجتماعية وعلمية.

لكنّ "الردّ" على "الجنرال" أتاه سريعاً من "خصومه اللدودين" في كتلة "المستقبل"، التي خرجت بعد اجتماعها الأسبوعي بموقف "حازم" أكّدت فيه رفض اجراء التلزيمات في ظل حكومة تصريف أعمال، معتبرة أنّ "الحكومة الحالية هي حكومة مستقيلة تتولى تصريف الأعمال، ولا يجوز لها دستوريا ان تقرر في هذا الشأن الاستراتيجي"، مطالبة بأن يكون هذا الملف بين يدي حكومة جديدة.

وسط هذه "الفوضى"، وفيما رأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ رافضي انعقاد الجلسة لاسباب دستورية هدفهم غير المعلن عرقلة التوصل الى استخراج النفط والغاز، مشيراً إلى أنّ الدستور وضع لخدمة المواطنين وليس العكس، بدا أنّ هذه الجلسة "تبخّرت" عملياً، كما أكدت مصادر سياسية وسطية لصحيفة "الأخبار"، كاشفةً ان رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط أبلغ زواره بأنه لن يشارك في الجلسة، وأن للأمر صلة بالتوازنات الطائفية والسياسية في البلاد، خصوصاً بعد بيان ​كتلة المستقبل​ النيابية أمس بهذا الخصوص. كما أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بحسب المصادر نفسها، لن يترأس جلسة لمجلس الوزراء من دون توافق كل القوى السياسية الرئيسية في البلاد، لا تلك الممثلة في الحكومة فقط.

سلام لن يعتذر ولن يغامر..

إلى الملف الحكومي المرشّح للبقاء على "جموده" مع "المعادلة" الجديدة التي أطلقها رئيس الحكومة المكلف ​تمام سلام​ والقائمة على عدم الإعتذار وعدم المغامرة في آن، علماً أنه جدّد القول أنّه يستند إلى ما نص عليه الدستور وهو أن رئيس الحكومة المكلّف هو الذي يشكّل الحكومة ويعرضها على رئيس الجمهورية الذي إما يوافق عليها أو لا يوافق، ولا يذكر الدستور أي دور للفرقاء السياسيين في وضع التشكيلة الحكومية التي تتناسب مع الشروط التي يضعونها.

وفيما لفت وضع سلام لكلام رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد حول التمسّك بثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" في إطار "العرقلة" باعتبار أنه "يناقض الموقف الذي أعلنه السيد حسن نصرالله قبل أسبوعين بأنه لا يمانع من نقل البحث في هذه الصيغة إلى ما بعد تشكيل الحكومة"، برز خلال الساعات الماضية إعلان نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الله محمود قماطي بعد زيارته رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب السابق أسامة سعد عن التوصل الى امكانية حل من قبل فريق "8 اذار" لتشكيل الحكومة، آملا ان يتجاوب معها الفريق الآخر للخروج من الازمة.

وسط ذلك، عاد الوضع الأمني ليتصدّر "الإهتمامات" في ضوء كشف النقاب عن "إنجاز أمني" جديد بتوقيف المديرية العامة للأمن العامة ثلاثة مشتبه بهم نتيجة للتحريات والمتابعة الأمنية للشبكات الإرهابية. وبحسب بيان صادر عن المديرية، فإنّ الموقوفين هم لبناني وسوريان من ضمن الشبكة التي "كانت تخطط للقيام بأعمال تخريب وإخلال بالأمن على الأراضي اللبنانية بواسطة عبوات ناسفة وعمليات اغتيال". ووفقاً للبيان، فقد تم التحقيق مع الموقوفين وأحيلوا على القضاء العسكري مع المضبوطات، من مواد متفجرة وأجهزة اتصال وسلاح مع كاتم للصوت.

كلمة أخيرة..

إلى متى ستبقى كلّ مصالح الناس رهينة التجاذبات السياسية التي لا تنتهي؟

إلى متى سيبقى اللبنانيون يدفعون فاتورة باهظة ثمناً لطبقة سياسية أثبتت التجربة أنّ "كرسيّها" يبقى "أولاً" بالنسبة إليها، بعيداً عن كلّ الشعارات التي سترفعها؟

إلى متى وإلى متى؟ أسئلة سيظلّ اللبنانيون يطرحونها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا...