لم يكتمل الإنجاز أو الحلم الفلسطيني لفريق التفاوض الفلسطيني مع إسرائيل، والذي كان يفترض أن يقود إلى محطة جديدة تتمثل في اتفاق انتقالي على غرار اتفاق أوسلو الذي وقعته السلطة مع إسرائيل قبل 20 عاماً بحسب ما أثير مسبقا في وسائل الإعلام، وأصبح الفلسطينيون يعيشون تحت وطأة افرازاته العقيمة، حتى بدأ المسؤولون الفلسطينيون يتحدثون عن استعدادهم لمواجهة أكثر من سيناريو محتمل أبرزها سيناريو انهيار المفاوضات، خصوصاً بعد حديث لرئيسة وفد التفاوض الإسرائيلي تسيبي ليفني عن أن المفاوضات قد تستمر لأكثر من 9 أشهر، في مؤشر واضح ربما أدركه المفاوضون الفلسطينيون وكانوا يدركونه أصلاً في السابق، بأن إسرائيل تماطل في كل القضايا التي يجري التفاوض بشأنها، وأن كل الجولات التي عقدت بين الجانبين لن تسفر عن نتائج حقيقة فاعلة للفلسطينيين، بينما ترى حركة "حماس" التي تمسك بخيار المقاومة كخيار وحيد لتحرير الأرض المحتلة، أن على السلطة الفلسطينية "الانتحار".
إعلان سيناريو فشل المفاوضات
وفي هذا السياق، يشير عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنا عميرة إلى أحد السيناريوهات التي طرحت في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مؤخراً هو إعلان فشل المفاوضات، مؤكداً وجود تفكير جدي بهذا الموضوع.
وفي حديث لـ"النشرة"، يلفت عميرة إلى أن هناك محاولات إسرائيلية لأجل كسب الوقت واللعب على وتيرة أن المسؤول عن فشل المفاوضات هو الجانب الفلسطيني، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تستفيد من إطالة الوقت كي تفرض المزيد من الحقائق على الأرض، وحتى إملاء نتائج هذه المفاوضات قبل البدء فيها.
ويوضح عميرة أن هناك تصريحات متعارضة تصدر عن المسؤولين الإسرائيليين بشأن المفاوضات، وكان ذلك واضحاً من خلال حديث رئيسة وفد المفاوضات الإسرائيلي تسيبي ليفني، والتي أشارت فيه إلى أن المفاوضات تستوجب أكثر من 9 أشهر وهذا مخالف لما تم الاتفاق عليه، إضافة إلى حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه لا يريد أيّ تقدم في هذه المفاوضات دون اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة. ويضيف عميرة: "كل جولات المفاوضات لم ينتج عنها أي شيء، وهناك نقاش جدي من أجل تحديد خطوات ما بعد مرحلة انهيار المفاوضات".
ويكشف أن الخيارات المطروحة مقابل ما يجري من نقاشات، لكن الخيار الوحيد بعد فشل المفاوضات هو التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة.
يجب على السلطة الانتحار
في سياق منفصل، يؤكد القيادي في حركة "حماس" ومسؤول الدائرة الإعلامية فيها صلاح البردويل، أن المفاوضات حلقة مفرغة وعبثية لا تفيد إلا الاحتلال الإسرائيلي، سيما وأن منظمة التحرير تعلم ذلك جيداً، وحتى من يتخذون القرار في الدخول فيها ليس من أجل إيجاد حلول للقضية الفلسطينية ولكن من أجل الاستلقاء على بعض الامتيازات المالية والشخصية لبعض القيادات.
وفي حديثه لـ"النشرة"، يعزو البردويل ذلك إلى أن كل الجولات الأخيرة التي تمت ولا زالت تجري لم تجد غطاءً من أي تنظيم فلسطيني بما فيها حركة "فتح" وهي عبارة عن جولة تجريبية فارغة المضمون لا معنى لها.
ويشير البردويل إلى أنّ الحديث عن احتمال فشلها ووقفها لا يجوز أصلاً، إذ أن من تبقى في وجهه قطرة دم عليه أن يتوقف عن المفاوضات بالمطلق التي تعطي غطاءً لتهويد القدس والمقدسات.
ويشدد البردويل على ضرورة أن تلجأ السلطة إلى "الانتحار السياسي" إذا كانت لا تريد حوارا وطنيا ولا استراتيجية وطنية ولا تكف عن المفاوضات والتعاون مع المحتل، قائلاً: "إذا ظلت تسير في هذا الطريق فهي ماضية إلى الانتحار السياسي لأنها تخون القضية الفلسطينية ولا يجوز الإصرار على هذا النمط الممل".
ويتابع: "اذا كانت تريد استراتيجية وطنية تحمي الشعب الفلسطيني وتدخلنا الى وحدة وطنية عليها أن تتخلى تماماً عن المفاوضات والتنسيق الأمني اللذين يعطيان عطاء كبيراً لإسرائيل وحماية لها كي تفعل ما تشاء في الأرض الفلسطينية".
"المقاومة" البديل الوحيد للفلسطينيين
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني البسوس أنه كان من الواضح جداً منذ بداية المفاوضات عدم وجود أي مؤشرات حقيقة لإنجاحها، لكن الضغوط على السلطة الفلسطينية جعلتها تدخل فيها وهي تعرف نتيجتها، موضحاً أن نتيجتها النهائية هي الفشل حتى لو استمرت أكثر من تسعة أشهر.
ويعتبر البسوس، في حديث لـ"النشرة"، أن البديل الوحيد لدى الفلسطينيين عن المفاوضات هو تفعيل المقاومة، إذ أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، وهذا شيء حاصل من بدايات الاحتلال، ومنذ عام 1993 وحتى الآن لم تنجز شيئاً للفلسطينيين بل كانت تصب دائماً في صالح الإسرائيليين.
ويشدد البسوس على أن الطريق الوحيد لدى الفلسطينيين هو الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجسيدها على أرض الواقع، إضافة إلى ترسيخ مبدأ المقاومة، ضمن برنامج سياسي وطني فلسطيني واضح تتوافق عليه كل القوى كي يكون هناك إنجاز شيء عملي للفلسطينيين على أرض الواقع.
في المحصلة، وبعد عشرين عاماً على المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يبدو من الواضح أن فريق التفاوض مُصرّ على الدخول دوماً في نفق المفاوضات المظلم، والتي لم ينتج عنها سوى لقاءات شكلية لم تحقق أي مكسب أو حل في ما يتعلق القضايا الأساسية العالقة للفلسطينيين، في وقت يتطلب فيه المضي في خيار المقاومة كطريق وحيد للفلسطينيين لا الجلوس على طاولات المفاوضات الفارغة.