مرت عشرات الأشهر على الصراع العسكري الدائر في سوريا، دون ان يتم حل هذه الازمة او ان ينتصر طرف على الاخر، وازداد المشهد الميداني تبدلاً وتشعباً لدرجة لم يعد منحصراً بين فريقين، وخصوصاً من القوات المعارضة للنظام السوري، والتي حاولت ان تنتشر على الخارطة السورية، ولكن هذه المحاولة تسببت بخلق انقسامات وخلافات في الاساس، واحيانا كثيرة في الاسباب، التي قامت من اجلها هذه الحركات الاحتجاجية.
ولا يغيب عن بال احد ان الحالة السلمية لهذه المظاهرات لم تدم اكثر من ايام عديدة مقارنة بالصراع العسكري الذي فضله المعارضون، عندما اعلنوا تشكيل جيش رديف، في محاولة منهم لتوحيد كافة الفصائل تحت لوائها بقيادة رياض الاسعد الضابط المنشق عن الجيش السوري النظامي، فكانت ولادة "الجيش السوري الحر" في 20 تموز من العام 2011. ولادة لاقت دعماً عالمياً من الدول المعارضة لبقاء الرئيس بشار الاسد.
وما ان وصل الدعم العالمي إلى هؤلاء، حتى بدأت الخلافات بالظهور، في نوعية القتال، وفي المطالب.. بحيث انه وبعد اشهر عديدة بدأ الحديث الغربي عن تواجد لتنظيم القاعدة تحت اسم عرف بجبهة "النصرة" بقيادة ابي محمد الجولاني الداعية الاسلامي السوري، الذي بعد ان انشأ تنظيمه الجهادي سرعان ما اتاه الدعم الاسلامي من امير تنظيم "دولة الاسلام في العراق والشام"( داعش) ابي بكر البغدادي.
الا ان تواجد "داعش" (التي تأسست في العام 2006 في العراق) على الاراضي السورية الاثر الكبير، نظرا لضمها مجموعة من المقاتلين الاجانب المحترفين، مما ساعد قوات المعارضة على التقدم في بعض المناطق على الخارطة السورية. ولكن هذا التقدم جعل "النصرة" تعلن رفضها الانصياع لاوامر البغدادي ولتنظيمه، وانتقل الصراع من حرب البيانات الى صراع عسكري بين النصرة وداعش مع بداية العام 2012، ما دفع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الى التدخل شخصياً لحل التقاتل الاسلامي-الاسلامي كما وصفه، حيث شدد الظواهري خلال المصالحة على ضرورة توحيد البندقية في وجه الولايات المتحدة الاميركية التي تستخدم الشعب لاسقاط النظام الحليف لايران لتنصب "حكومة علمانية كافرة"، بدلاً عن الخلافة الاسلامية. فكان له ان نجح في الوساطة بعد ان اوجد نقاطاً مشتركة بين التنظيمين.
تجدر الاشارة هنا الى هذه الوساطة وان كانت قد اوقفت الخلاف الاسلامي-الاسلامي، لكنها وضعت المعارضة السورية امام منعطف جديد وهو تكفير من هم من غير هذين التنظيمين حيث نشبت الصراعات بين التنظيمات الاسلامية والتنظيمات المسلحة الاخرى ضمن المعارضة، ولكن اللافت في هذا الخصوص ان الجانب الاخر من المعارضة لم يكن افضل حالاً من حيث الإنقسام والتناحر، بحيث انه بعد استلام سليم ادريس الجيش السوري الحر، شهد هذا الجيش حالات انشقاق لاسباب خلافية تعود الى المرجعية الدولية والاقليمية والتحالفات في المنطقة والعالم.
هذه الخلافات كلها لم تكن لتظهر الى العلن لولا الغاء الضربة العسكرية الاميركية، ما دفع المجموعات المسلحة للسعي لاسقاط النظام دون مساعدة عسكرية اجنبية، بعد اقتناعهم بعدم حصولها، بالتالي فمن يسيطر هو من سيكون له الكلمة الفصل مهما في المشاركة في مستقبل سوريا، فعاد الجولاني ليرفض الانضمام للبغدادي ورفض الانصياع الى القيادة العامة لتنظيم القاعدة في افغانستان، الا ان هذه الانقسامات كان لها الحيز الاكبر في المشهد السوري لدى القوات المعارضة غير الاسلامية بحيث انقسمت لاكثر من فريق، وخصوصا مع تقدم السعودية إلى واجهة المشهد السوري بدلاً من قطر، ومع الاقتناع السوري-العالمي بحتمية عقد مؤتمر جنيف 2. تشرذمت المعارضة حول الجيش السوري الحر إلى أكثر من 40 فصيلاً، وإنضم كثير منهم الى التنظيم الجديد الذي عرف باسم "جيش الاسلام" بقيادة الداعية السوري محمد رضوان عبدالله علوش المقرب من السعودية. كما انشقت مجموعات اخرى واعلنت ولاءها للواء "رجال الله" مشيرة الى أن من يمثلها في الخارج هو رجل الاعمال السوري مؤتمن البابا، الذي يعمل في مجال الادوية، والذي كان من اول من دعم الجيش الحر في الرستن.
ولكن حرب البيانات والتخوين والتكفير سرعان ما تحولت الى صراع حقيقي على الارض بين فصائل المعارضة كافة، وخصوصاً مع هيمنة الاسلاميين على مناطق المعارضة الشمالية، وسعي دول المنطقة الى وجود من يمثلهم في مؤتمر جنيف 2.
كما ان التغيرات العالمية والاقليمية في المشهد العالمي وحرب الاقطاب كان لابد أن تؤثر على المشهد السوري، ما قد يؤسس لتسوية الاوضاع في هذا البلد لخلق ارض خصبة تسمح بالتوافق السياسي، وتفتح مجال لتوحيد البندقية السورية في وجه الارهاب، الامر الذي اصبح مطلبا جامعاً لسوريا ولدول المنطقة التي وجدت ان الارهاب وصل الى حدودها.