كان من المتوقع أن تكتسب خلوة تكتل التغيير والاصلاح الثالثة أمس الطابع الوجداني في دير مار يوحنا القلعة في بيت مري، الا أن النائب ميشال عون استغل الفرصة لتقويم سياسة التيار منذ عودته الى لبنان وتحديد خياراته الجديدة، التي ما زالت تؤيد المقاومة كخيار عسكري رغم محاربة العالم كله لها

يستنفر النائب ابراهيم كنعان عن كرسيه في صالون دير مار يوحنا القلعة في بيت مري ويتوجه بخطى سريعة نحو المدخل الرئيسي، ليعود مرافقا رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون. يلاقيهما في منتصف الطريق رئيس الدير الأب نجيب بعقليني، ويأخذ عون بالأحضان. تحضر ذكريات مارسيليا الفرنسية على الفور، فيبادر بعقليني الى القول: كنا نحكيك بالإنجيل تحكينا بالسياسة. يضحك عون في طريقه الى داخل كنيسة الدير، محاطا ببعقليني والآباء الذين احتضنوه منذ أكثر من ثلاثين عاما في أديرتهم، بولس دحدح (رئيس بلدية مار شعيا) وبطرس عازار (الأمين العام للمدارس الكاثوليكية) وهادي عيا (رئيس جمعية عدل ورحمة). يلتفت مجددا صوبهم قبل دخول الكنيسة: «هنا الكلام للانجيل فقط».

مع انتهاء الصلاة والتقاط الصور التذكارية، يدعو «الجنرال» تكتله الى العمل وبدء الخلوة الثالثة التي تنظمها أمانة سر التكتل. فور خروج الوسائل الاعلامية من القاعة، افتتح عون الجلسة، وفقا لأحد الحاضرين، بالحديث عن الملف الأكثر حساسية بالنسبة إلى المتسمرين أمامه، رئاسة التيار الوطني الحر: «يخيفون الناس أني كبرت في السن ويحاول البعض اللعب على وتر ايجابية الاقطاعية التي ورطت المسيحيين سابقا ولم تستطع بناء دولة حقيقية. لذلك أُعدّ التيار من أجل ضمان استمراريته، وأحاول جاهدا خلق نظام داخلي جيد لتحقيق الاستمرارية. لا يمكن للتيار أن ينتهي، فهو حالة جامعة وسُمّي التيار الوطني الحر لا التيار العوني كي يستمر بالكل ولا يحصر بفئة نضالية واحدة». أغلق ملف الخلافة فور انتهاء كلام عون من دون أي تعقيب، يتابع المصدر، ليبدأ بعدها تقويمه لخياراته منذ عام 2005. عرض «الجنرال» ايجابيات وثيقة التفاهم مع حزب الله، التي تمكن من خلالها من «التصدّي للحلف الذي حاول تطويقي أثناء الانتخابات. بتحالفنا استطعنا انهاك هذا الحلف وتفكيكه، وتمكنا من خلق آفاق جديدة للمسيحيين. كان ينقصنا فقط الفريق السني ليكتمل نجاحنا، لكن للأسف لم يتفهم أهمية هذا التحالف على مستوى الوطن، فاقتصر تفاهمنا على المستوى المسيحي ــــ الشيعي، وحصره الآخرون بأبعاد محورية، فيما كانت أسبابنا وطنية فقط».

في الملف السوري، ينقل المجتمعون عن عون اعتباره زيارته الى سوريا تتمة لحرب التحرير، حيث كان يردد دائما تحت أصوات المدفع: «عندما يخرج السوري من لبنان، لا مانع لدي من بناء علاقة جيدة معه»، ولكن، يقول رئيس التكتل وفقا لأعضاء تكتله، «هناك من شوّه هذه الزيارة، ووضعها خارج اطارها الجدّي. فالواقع اني استطعت بناء علاقة سليمة ومحترمة من دون تغيير قناعاتي، وبذهابي الى منطقة براد في سوريا أعدت الموارنة الى جذورهم الأصلية». وهنا استشهد عون بجملة لنابوليون بونابارت: «السياسة بنت التاريخ والتاريخ ابن الجغرافيا والجغرافيا لا تتغير». وتطرق الى وضع الكنيسة الحالي التي كُسّرت وأُحرقت، واعدا نوابه ووزراءه باعادة بناء الكنيسة مجددا في القريب العاجل. فتأثير الحرب السورية على المسيحيين واضح وفقا لما قاله عون في الخلوة، «واذا انتهت على نحو سلبي فسيخسر لبنان والمسيحيون». وأبرز مثال على ذلك، «الأماكن المقدسة في فلسطين التي حولها اليهود الى أماكن سياحية يفترض بقاصدها أن يدفع مبلغا من المال». كذلك تناول رئيس التكتل تحطيم البعض لمعنويات المسيحيين عبر حرق الكنائس في مصر وتهجير مسيحيي العراق.

في ما خص العلاقة مع ايران، اكتفى عون بالتعريف عنها على أنها «علاقة صداقة»، مشيرا في المقابل إلى أنه لم يختر معاداة أميركا، لكنه لم يرتم في أحضانها ايضا: «الخيارات الخارجية صعبة، لكن لا بد للواحد أن يقوم بها». وفي هذا السياق، تحدث عن انفتاحه على السعودية وانزعاج بعض حلفاء السعودية في لبنان من الأمر، واضعا اياها في خانة مصلحة المواطنين واللبنانيين العاملين في الخليج. رغم ذلك، أكدّ لأعضاء تكتله أنه لم يتنازل بل فصل بين موقفه السياسي وعلاقاته الخارجية، بعيدا عن أي مؤامرات على أحد، وعلى حزب الله ضمنا. وشدّد عون هنا على دعمه المقاومة باستراتيجيتها العسكرية في وجه اسرائيل: «العالم كله ضد المقاومة، ونحن اتخذنا قرارا منذ سبع سنوات بالوقوف الى جانبها في وجه اسرائيل، وخضنا في تموز 2006 حربا سياسية يعرفها الحزب جيدا.

وربما هذه الحرب هي التي وطدت العلاقة بين المسيحيين والشيعة، وأسست لصداقة وعلاقة اجتماعية متينة، فضلا عن انهائها النزاع المسلح على الشريط الحدودي، بحيث ينعم مسيحيو الجنوب اليوم بالطمأنينة»، لكن «دعم المقاومة بخيارها العسكري ضد العدو من المسلمات، أما في الشق السياسي، فمروحتنا باتت واسعة، ونؤيد الانفتاح على مختلف الكتل النيابية، وخصوصا مع اختلاف أولويات حزب الله عن أولوياتنا في الكثير من الملفات». وسياسة التكتل الجديدة تقوم على «فصل التشريع عن السياسة، وتعريف الحليف بمصطلح جديد: حليفنا هو من يساندنا في ملفاتنا». وختم عون كلمته برفض عقلية الاستنسابية التي تعيق مشروع بناء الدولة، وتنصب في وجهه العراقيل: «اذا أردت تسمية شيعي مؤهل لوظيفة رسمية يأتيني رفض، الأمر نفسه عند الفريق السني. لا يحق لي تعيين أحد من خارج طائفتي، فيما بوسع الفريقين الآخرين تسمية مسيحي لأي موقع. أرفض هذه العقلية وسأحاربها. نحن قاعدة لا تدين بالولاء لأحد، وقادرة على ترسيخ أفكارها في أذهان المواطنين». على الغداء، ضرب عون كأس نبيذه الرهباني (تقدمة رهبان مار شعيا) بكأس الوزير جبران باسيل إلى يمينه، والنائب ابراهيم كنعان إلى شماله، ليرفع نخب التكتل عاليا: «ان شاء الله يبقى التكتل عطول مكتل متل اليوم».