منذ بداية الأحداث السورية لم تكن تركيا بعيدة عنها على الإطلاق، من خلال دعمها الواضح والعلني لقوى المعارضة السياسية والعسكرية، لكن لم يكن في بال رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أن ينقلب السحر على الساحر في يوم من الأيام، لا سيما أن الرجل قطع شوطاً طويلاً في معاداة الرئيس السوري بشار الأسد.
من الناحية المبدئية، لم يكن تعرض الأمن القومي التركي لتهديدات مصدرها الجانب السوري خارج الحسابات التركية، وهذا الأمر كان واضحاً من خلال المواقف التي صدرت عن كبار المسؤولين الأتراك، لكن المفاجأة أن الخطر الأكبر اليوم ينبع من سيطرة تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" على مساحة كبيرة من الحدود بين البلدين.
الأمن القومي التركي مهدد
لم يعد الحديث عن المخاطر التي تهدد الأمن القومي التركي جراء الأحداث السورية مجرد إحتمال، بات هذا التهديد واضحاً يتم الحديث عنه في الأوساط التركية بشكل صريح على لسان كبار المسؤولين.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي المقيم في تركيا دانيال عبد الفتاح أن هذا التهديد ناجم اليوم عن الخلاف بين تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" وحكومة رجب طيب أردوغان، التي تدعم بشكل علني "الجيش السوري الحر" والكتائب التابعة لحركة "الإخوان المسلمين".
ويشير عبد الفتاح، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الحكومة التركية لا مانع لديها في دعم أي تنظيم مسلح يقاتل النظام السوري، لكنه يلفت إلى أن حلفاءها الأساسيين في المعارضة يقاتلون "داعش" في المرحلة الراهنة، وبالتالي كانت مجبرة على أخذ موقف واضح كي لا تخسر الفريقين في المستقبل.
من جانبه، يلفت الكاتب والمحلل السياسي التركي محمد زاهد غول إلى أن التهديد لا يمكن إنكاره حالياً على الإطلاق، حيث يشير الى مواقف صادرة عن أكثر من مسؤول تركي سياسي وعسكري، ويذكر بالتصريح الصادر عن الرئيس عبدالله غول في هذا المجال.
ويوضح غول، في حديث لـ"النشرة"، أن المخاوف في البداية كان مصدرها الجانب السوري بشكل أساسي، لكن اليوم هناك مخاوف جديدة مصدرها بعض المجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب قوى المعارضة، ويلفت إلى سياسة إقفال الممرات الحدودية بين الدولتين وفتحها من جديد في أكثر من مناسبة.
المواجهة إحتمال قائم
على صعيد متصل، طرحت الأنباء عن قصف دبابة تركية موقعاً لتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" بالقرب من باب السلامة على الحدود بين البلدين العديد من الأسئلة حول احتمال المواجهة بين الجانبين في هذا الوقت.
وفي هذا الإطار، ينطلق عبد الفتاح من الحديث عن تواجد عدد كبير من المقاتلين السوريين في الداخل التركي بشكل غير منضبط ومنظم، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات المدنية التركية التي تبين أنها تؤمن الدعم المادي لكل من جبهة "النصرة" و"داعش"، من أجل استبعاد المواجهة بين الجانبين.
ويشير عبد الفتاح الى الأوضاع المضطربة في تركيا، حيث يكشف عن انقسام داخلي واسع في القرى التي تقع على الحدود السورية، تمنعها من القيام بأي مغامرة في هذا الوقت، ويرى أن حادثة قصف أحد مواقع "داعش" ليس أكثر من رسالة من الجانب التركي، الذي أراد أن يبلغ حلفاءه بأنه إلى جانبهم في المعركة التي يخوضونها، وإلى "داعش" بأن تخطّي الخطوط الحمراء غير مسموح.
بدوره، يعتبر غول أن من غير الممكن القول أنّ تركيا مهددة اليوم، لكن هذا الأمر لا يعني عدم وجود مخاوف حقيقة من الأوضاع السورية، لا سيما أن تنظيم "داعش" مخترق على ما يبدو من جانب النظام، ويرى أن التنظيم ينفذ أجندة لا تخدم إلا سياسة الرئيس السوري بشار الأسد، في حين أن معظم التنظيمات المعارضة تتحدث عن ضرورة توحيد البنادق في مواجهته.
من ناحية أخرى، لا يستبعد غول حصول مواجهة بين الجيش التركي وعناصر "داعش" في أي وقت، حيث يشدد على أن هذا الإحتمال موجود، ويعتبر أنه لا يمكن استبعاد ذلك من الحسابات التركية في ظل المخاطر القائمة، ويذكر بتمديد البرلمان لتفويض يسمح بإرسال قوات عسكرية إلى سوريا عند الضرورة لمدة عام آخر.
في المحصلة، ستكون تركيا على موعد مع تطورات بالغة الأهمية في الأيام المقبلة، لا سيما اذا ما استمر "داعش" في السيطرة على المناطق الحدودية، فعل تقع المواجهة بين الجانبين قريباً؟