يشتد الصراع في لبنان بشأن موضوع التأخر في تلزيم الشركات الأجنبية عمليات التنقيب عن النفط والغاز المكتشفين في المياه الإقليمية اللبنانية،حيث تنقسم الأطراف اللبنانية في الحكومة وخارج الحكومة حول مدى أهمية الإسراع في عقد الحكومة اللبنانية المستقيلة اجتماعا خاصا لهذا الغرض، وعدم انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، التي قد تأخذ وقتا طويلا بسبب حدة الصراع المحتدم في لبنان والمنطقة والعالم ويجعل لبنان في حالة من عدم الاستقرار بسبب تأثره الشديد بهذا الصراع، وما يقلق اللبنانيين ان التأخير في ذلك يصب في خدمة الكيان الصهيوني الذي شرع منذ فترة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية المحاذية للمنطقة البحرية الجنوبية التابعة للبنان.

وتزايد مخاطر إقدام إسرائيل على استغلال الصراع القائم في لبنان، والقيام بالتعدي على حقوق لبنان في هذه المنطقة متذرعة بوجود خلاف حول تحديد الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. ولا يحتاج المرء إلى كثير عناء لتبيان مدى أهمية اكتشاف وجود ثروة نفطية وغازية في أي بلد من بلدان العالم، والعمل على الإسراع في استخراجها واستثمارها لما يعود على هذا البلد من نهضة اقتصادية واجتماعية، فالنفط والغاز، عدا عن دورهما في تسيير حركة الاقتصاد والخدمات وخفض اكلافهما، يحققان مردوداً مالياً كبيراً إذا ما أحسن توظيفه فإنه يسهم في تطوير كل مناحي الحياة الاقتصادية والعلمية والعمرانية والخدماتية والاجتماعية، فكيف والحال إذا كان البلد الذي يتم فيه اكتشاف مثل هذه الثروة، فقيراً ومديونا بعشرات المليارات من الدولارات، والتي يترتب عليها فوائد عالية ترهق الموازنة العامة والاقتصاد وتؤدي إلى رفع اكلاف المعيشة ومضاعفة الأزمة في البلاد، فإن أهمية الإسراع في استخراج هذا النفط والغاز تصبح مضاعفة، وهذا ما ينطبق على بلد مثل لبنان، الذي يعاني من تراكم الدين وأعبائه، واكتشفت في مياهه الإقليمية وبره ثروة من النفط والغاز بكميات كبيرة وتتحدث الشركات العالمية عن أن لبنان هو من بين أربع محطات نفطية عالمية واعدة يجري التركيز عليها من قبلها، ومع ذلك فإن الصراع السياسي المحتدم منذ سنوات يعوق تسريع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتلزيم الشركات الأجنبية البدء بعمليات استخراج هذه الثروة الهامة.

هناك من يعيد هذا الصراع إلى العقلية السائدة في البلاد القائمة على المحاصصة والتقاسم بين أطراف الطبقة السياسية، وان فريق 14 شباط وبسبب عدم حصوله على حصة في تعيينات هيئة قطاع النفط والغاز التي جرى تشكيلها من قبل حكومة الرئيس ميقاتي والمستقيلة يعمل على إعاقة عملية تلزيم البلوكات البحرية العشرة للشركات التي تقدمت بعروضها، وان الرئيس ميقاتي يشترط عقد اجتماع استثنائي للحكومة المستقيلة، لاتخاذ القرار بهذا الشأن، توافر الإجماع، وهو ما يفسر على انه محاباة لفريق 14 شباط، وفي مقدمته تيار المستقبل .

وإذا كانت مثل هذه العقلية المتحكمة بإدارة شؤون البلاد، تقف وراء أزمة لبنان المستمرة منذ عشرات السنين، فإن ذلك لا يبرر ولا يفسر لوحده أسباب التأخير والمماطلة والتسويف بالإسراع في عقد اجتماع للحكومة لاتخاذ مثل هذه الخطوة الهامة، التي سيكون لها انعكاسات ايجابية على اقتصاده ومستوى معيشة شعبه تخرجه من نفق العوز والمديونية، خاصة ان الحديث يدور عن ثروة كبيرة تجعل لبنان قادراً على إدارة صندوق سيادي يقدر بأكثر من 150مليار دولار، وهذا ما يفوق بكثير حجم ديونه البالغة نحو 60 مليار دولار.

فما هي الأسباب الفعلية التي لاتزال تعوق إقدام لبنان على استغلال ثروته النفطية والغازية إذا ؟.

المدقق في الأمر لا بد له أن يلحظ وجود العديد من الأسباب، يمكن حصر أبرزها بثلاثة أسباب هي:

السبب الأول: سياسي بامتياز، ويكمن في أن الصراع الدائر اليوم في لبنان والمنطقة والعالم هو في جوهرة صراع على المصالح الاقتصادية، الذي تلعب فيه موارد الطاقة دوراً محورياً، فالدول الغربية تسعى إلى السيطرة على هذه الموارد بغية الحصول على حاجاتها من النفط والغاز بشروطها هي، وعلى نحو يحقق لشركاتها الأرباح الطائلة، وهذا لا يمكن أن يتم من دون أن تكون الأنظمة، التي توجد في بلدانها مثل هذه الثروة، موالية وتابعة لها.

وهذا يعني ان الصراع على موارد الطاقة له أبعاد وطنية وإقليمية ودولية، وهو يندرج في سياق الصراع بين الشعوب الساعية إلى التحرر الوطني والاجتماعي، وبين الدول الاستعمارية وشركاتها، الساعية إلى إبقاء هذه الشعوب ترزح تحت نير الاستعمار والتبعية والتخلف باعتبارها الظروف الملائمة لها لاستغلال ثرواتها بطريقة غير عادلة.

السبب الثاني: وهو على علاقة مباشرة بالأول، ويتمثل في أن لبنان على تماس مباشر في الصراع العربي الصهيوني، ولديه مقاومة استطاعت أن تهزم الجيش الصهيوني، أقوى جيش في المنطقة، وان تجعل من لبنان قوة رادعة، للعدوانية والأطماع الصهيونية، تمنع إسرائيل من التطاول على سيادة واستقلال لبنان وثرواته إن كانت مائية أو نفطية.

وبالتالي فان قيام لبنان في ظل هذه المعادلة باستخراج نفطه وغازه واستثمارهما سوف يعني قطع الطريق على قيام العدو الصهيوني بوضع يده على هذه الثروة من ناحية، وتمكين لبنان من التخلص من ديونه وأعبائها ووضعه على سكة الاستقلال الاقتصادي والتنمية الحقيقية وبالتالي التحرر من التبعية للدول الغربية الاستعمارية من ناحية ثانية، وفي حال حصول ذلك فإنه سيشكل تطوراً نوعيا هاما يجعل لبنان أكثر قوة في مجابهة إسرائيل، لأنه سيكون قد تخلص من أزماته الاقتصادية والاجتماعية وحصن وضعه الداخلي وتحرر من ابتزاز الدول الغربية والقوى الموالية لها، التي تواصل سياسة العمل على إخضاع لبنان عبر إثارة الفتنة وتغذية الانقسام في البلاد، وبالتالي منع أي حلول للازمة التي يعاني منها الشعب اللبناني.

السبب الثالث: إن قوى 14 شباط، التي لا تريد أن يجري تحقيق انجاز استثمار واستغلال الثروة النفطية والغازية في ظل حكومة، الغالبية فيها للقوى الوطنية (8 آذار)، لأن ذلك سوف يحسب لصالح هذه القوى، وسيكون له انعكاسات ايجابية مباشرة على اللبنانيين من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ما يعني تعزيز شعبيتها وتمكنها من تحقيق فوز كبير في الانتخابات القادمة، ولهذا فان قوى 14 شباط تضغط على الرئيس نجيب ميقاتي للحيلولة دون عقد اجتماع للحكومة المستقيلة لحرمان قوى 8 آذار من تحقيق هذه الانجاز الوطني.