في وقت انشغل فيه الشارع باستقبل المحررين من سجون لواء "عاصفة الشمال" العامل بأمرة المخابرات التركية، بحسب تأكيدات التقارير المتداولة منذ نشأته، عكفت الأوساط السياسية الرفيعة على إعادة درس الملف من أساسه والمطبات التي مر بها قبل وصوله إلى خواتيمه السعيدة، في محاولة لفهم الرسائل التي حملتها عملية الاطلاق من خلال المفاوضات غير المعلن عن تفاصيلها، خصوصاً أن عملية التبادل شملت أسرى لدى السلطات السورية بعد أن دخل على خطها العامل القطري الذي لم يفهم الكثيرون الدور الذي لعبته المخابرات القطرية غير المعنية مباشرة بالعملية من أساسها، الا اذا كان بين المفرج عنهم من السجون السورية عناصر قطرية أو متعاملين معها.
وفي قراءة لسياسي مخضرم، قريب من النظام السوري، لا يسقط هذا الأخير من حساباته ضرورات التسوية الاقليمية، وما تتطلبه من تفكيك للعقد المستعصية ومنها قضية المعتقلين السياسيين وأسرى الحرب لدى الجيش السوري، ومن ضمنهم أسرى من جنسيات عربية وسعودية وقطرية وأوروبية ومن بينهم فرنسيين، ناهيك عن الأتراك مع الإشارة إلى أنه في عديد الأسرى هناك مقاتلين وجنود وخبراء ومتعاملين مع أجهزة مخابرات دخلت على خط الحرب السورية منذ أكثر من سنة، ولا بد في هذا السياق من التذكير بأنه من ضمن الأسرى الذين ألقي القبض عليهم أبان، ما تصفه القيادة السورية، بتحرير القصير مظليين من الجيش الفرنسي، بحسب ما يؤكد المصدر، وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول تفاصيل صغيرة من شأنها الاضاءة على الملف برمته، وبالتالي ما اذا كان ثمن اطلاق المخطوفين اللبنانيين هو أسيرات في السجون السورية فقط أم أن هناك أكثر من ذلك بكثير ولكنه غير معلن، فدخول قطر في صميم التسوية يوحي بواحد من احتمالين، إما أنها تعيد تموضعها في ظل حكم جديد يسعى إلى الخروج من الرمال السورية المتحركة والعودة إلى الحجم الاقليمي الطبيعي، وإما أنها معنية مباشرة باقفال ملفها الشخصي مع النظام السوري عبر تسوية مباشرة معه شملت إطلاق سجناء بصورة سرية، انطلاقاً من البوابة اللبنانية المفتوحة بدورها على الاحتمالات كافة، وهذا ما قد يبرر كلام مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم حول أسرار لن يكشف عنها، ما يؤكد أيضاً أن الكلام عن اطلاق سجينات من السجون السورية، ليس سوى ستاراً لصفقة كبيرة للغاية، وما عملية التبادل هذه الا حلقة في سلسلة طويلة من عمليات معقدة لحلحلة الأوضاع وفق أجندة اقليمية دولية مشترمة تؤدي في نهايتها إلى تحضير الأرضية لعقد مؤتمر جنيف 2 بعيداً عن التفاصيل المعقدة المرتبطة بالخارج.
ليس بعيداً عن ذلك، يطرح المصدر عينه علامة استفهام حول دور "حزب الله"، الخبير في شؤون المفاوضات المتصلة بمثل هذه الملفات، في هذه العملية المعقدة خصوصاً أن أي فريق معني مباشرة لم يظهر في الصورة التي اقتصر كادرها المعلن على قطر، ومن خلفها تركيا والدولة الفلسطينية من جهة، ولبنان من خلال اللواء عباس ابراهيم، بما يمثله من مرجعية امنية من جهة ثانية، فيشير إلى امكانية أن يكون الحزب لعب دوراً أساسياً من خلال تسهيل الاتصال بخاطفي الطيارين التركيين، والضغط عليهم للتجاوب الكامل مع المساعي الاقليمية، خصوصاً أن الطيارين كانا في منطقة تشكل حاضنة للحزب في البقاع، وما نقلهما في طوافة عسكرية من مطار رياق العسكري إلى بيروت سوى دليلاً على وجودهما على مقربة منه.