لتسعين دقيقة، استمر خطاب رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة اسماعيل هنية الذي تطرق خلاله إلى ملفات عديدة أهمها قضية القدس واللاجئين، والدعوة إلى استراتيجية وطنية فلسطينية تشمل كافة الخيارات والوسائل الممكنة بما فيها المقاومة المسلحة والشعبية، أبرزها التأكيد على الثوابت الفلسطينية وصمود غزة ومقاومتها، إلى جانب تماسك حركة "حماس" رغم حديث البعض عن أزمة حقيقة تعيشها. لكن الأبرز كان حديثه عن ملف المصالحة الفلسطينية ودعوته التي وجهها إلى حركة "فتح" والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، وهو ما أثار عدة تساؤلات في هذا الشأن من إمكانية تجاوب الجانبين مع هذه الدعوات التي لا تزال معلقة، وسط مخاوف من عدم تحقيق أي منها أصلاً.
وكان هنية ألقى خطاباً في الذكرى الثانية لصفقة "وفاء الأحرار" التي تم خلالها مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسير فلسطيني، حضره أكثر من ألف شخصية وطنية وإسلامية.
آليات ودعوات
وفي هذا السياق، اعتبر عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول أن الخطاب الأخير لرئيس الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية أظهر أن هناك شيئاً جديداً من خلال التركيز على القضايا الراهنة خصوصاً في ملف المصالحة الذي لا زال معطلاً والذي يحتاج إلى آليات لتطبيقه، لافتاً إلى أن هذا الأمر مهم سيما وأنه دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل سريع.
وفي حديث لـ"النشرة"، شدد الغول على أن دعوة هنية إلى تحديد موعد لإجراء الانتخابات، والحديث عن البرنامج السياسي وضرورة الاتفاق على مفاصله، وإدارة الشأن الوطني بشكل عام، تعتبر خطوة جيدة ومتقدمة على طريق إنجاز المصالحة.
وشدد الغول على أن التركيز على هذه القضايا بهذا المعنى والدعوة إلى وضع آليات من أجل تنفيذها، يحمل بوادر تقدم "علينا التقاطها كحركة وطنية فلسطينية من أجل التقدم في ملف المصالحة إلى الأمام".
وعن مدى التفاعل الفلسطيني مع كل ما قدمه هنية في خطابه، رأى الغول أن الجميع يبدي رغبته في إنهاء الانقسام وتطبيق اتفاق المصالحة، وقال: "اعتقد أننا فلسطينياً يمكن أن ننضج هذه المسألة بمواقيت محددة تشكل الحركة الوطنية ضمانة لها من أجل الالتزام بها".
توقعات وتلميحات
"أبو مازن سيزور غزة قريباً"، هذا ما توقعه الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم وفقاً لما وصفها بالتلميحات الايجابية التي اتضحت في خطاب رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية بغزة، مشيراً إلى أنّ عباس سيشارك الفصائل الفلسطينية في وضع ملامح المرحلة الفلسطينية القادمة.
ورغم توقعات إبراهيم التي توصف بالإيجابية إن تم تنفيذها، إلا أنه اعتبر، في حديث لـ"النشرة"، أنّ خطاب هنية لم يكن على مستوى التوقعات، رغم تأكيده على جملة من القضايا الوطنية والتأكيد على الثوابت الفلسطينية، لافتاً إلى أنه "كباقي الخطابات التي كنا نسمعها في اجتماعات المجلس الوطني من قادة الفصائل الفلسطينية".
ورأى الكاتب والمحلل السياسي أن هنية لم يؤكد على احترام حقوق الانسان والحريات العامة، و كان من المهم أن يكون أكثر واقعية و شفافية في طرح الأزمة التي نعيشها في قطاع غزة، حسب قوله، مشدداً في الوقت نفسه على أنه ومن الواضح أن حركة "حماس" تعيش مأزق كما المشروع الوطني الفلسطيني.
إيجابيات وتساؤلات
في إطار آخر، قال الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطالله إن ما جاء في خطاب هنية يستدعي نقاشه بموضوعية دون تقييمه على نمط أبيض أو أسود، سيما وأنه قدم ردوداً مهمة على قضايا أعاقت سابقاً تنفيذ المصالحة، وتقدم باللغة على الأقل في رحلة المصالحة الفاشلة.
وفي حديث لـ"النشرة"، لفت عطالله إلى أنه يحمل إيجابيات كما أنه يثير أيضاً تساؤلات حذرة "باعتبارنا اعتدنا على الخطابات التي لم تقدم في سياق مسيرة الآلام الفلسطينية الطويلة، بل ساهمت أكثر في تأزيم الحالة الفلسطينية حين تركزت بمجلها على التبرير وإلقاء الكرة كل في ملعب الآخر، ومحاولة استمالة الرأي العام للتحريض على الآخر مع التخندق في نفس المكان".
وأوضح عطالله أن الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وتحديد موعد زمني للانتخابات، يمكن أن يبنى عليها باعتبار أن تلك القضيتين هما من أعاقتا تنفيذ بنود المصالحة في آذار الماضي عندما تم الاتفاق على تزامن دخول لجنة الانتخابات المركزية لقطاع غزة مع تشكيل الحكومة، لكنه أنهى حديثه بتساؤلات عن إمكانية أن تخول حماس الرئيس تشكيل حكومة دون خلاف على الأسماء أو المدة الزمنية لاستمرار عملها أو خلاف قانوني على النمط الذي شهدناه من بعض الأصوات المؤثرة سابقاً بغزة. وسأل: "هل وافقت "حماس" على المدة التي كان يقترحها الرئيس حتى إجراء الانتخابات أم أن تلك النقطة التي كانت محل خلاف تستدعي مفاوضات جديدة مع تفاصيل الحكومة لندخل في حوار جديد من النوع الذي اعتدنا عليه، واصفاً الحوارات بالتي لا نهاية لها؟"
في المحصلة، يبدو من الواضح أن خطاب رئيس الوزراء المقالة إسماعيل هنية كان توافقياً رغم أنه لم يكن على مستوى توقعات المواطن الفلسطيني الذي انتظره منذ أسبوعين تقريباً، لكنه رمى الكرة الآن في ملعب حركة "فتح" والرئيس الفلسطيني محمود عباس بمدى تجاوب الجانبين مع كل ما طرحه في ملف المصالحة وخصوصاً في ملف الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة تنهي الانقسام وتحقق المصالحة التي لا زالت معطلة.