لأن ضحايا السير على تزايد مستفحل، والدولة عاجزة تفتقر إلى حجّة التوجيه وهيبة القانون، فقد أعلن وزير الاتصالات نقولا الصحناوي، تعيين الفنّانة هيفاء وهبي سفيرة الإتصالات الإنسانية لنَهْيِ السائقين عن التلهّي بأجهزة الإتصال في أثناء القيادة حرصاً على سلامة الأرواح وسلامة الطرق.
وفي سابقة مماثلة تَمَّ اختيار الفنّانة هيفاء وهبي سفيرة للثّقافة إلى أحد معارض الكتب الزاهرة لترويج الكتاب العربي في عاصمة الثقافة العربية بيروت.
ونتيجة لنجاح هذه التجربة، وفي سياق التشبُّه بالكرام، ليس ما يمنع وزير الداخلية من إِعتماد الفنّانة "هيفاء" سفيرة للقضايا الأمنية في إطار حملة وطنية مرتجاة لنزع السلاح من مختلف فئات الشعب.
وما أدراك مِنْ بعْدُ، فقد تستطيع العيون الكحيلة أن تحقق أعجوبة تأليف الحكومة، وأنْ تذلّل التصلّب العنيف الذي تعجز عنه "السين - سين"، ويتعذّر على التقارب الإيراني - السعودي المنتظر، ما دام أَنَّ "العيون التي في طَرْفِها حَوَرٌ قد قَتَلْنَنا ولم يُحيْيِنَ بعدُ قتلانا".
إنها المراهنة على سلطة الجمال بعد سقوط الرهان على سلطة القانون، ولا تستخفنَّ بتأثير الجمال الساحر بالنسبة إلى الإنفعالات النفسيّة، لقد أحدثت إحدى الجميلات ثورة في النتائج الانتخابية في مدينة فالنس (Valence) الفرنسية حين خرجت من غرفة الاقتراع عارية من ثيابها امام الناخبين.
وليس حدثاً غريباً في تاريخ انحطاط الدول أن يتفوَّق سلطان المرأة على سلطان التاج، ها هي مدام بومبادور (Pampadour) عشيقة الملك لويس الخامس عشر تحقّق تقارباً مستعصياً بين فرنسا والنمسا، وهو الفيلسوف الفرنسي باسكال الذي يؤكّد: "لو أنّ أَنْف كليوبترا أطول بعض الشيء لربما كان تغيّر وجه العالم".
هذا الوطن النازف الخائف، السائب الغائب. الوطن الملهوف والخاطف والمخطوف، لا يزال مستسلماً للمناخ المفروض عليه، وراضخاً تحت جثّة الحرب الضاغطة على منكبيه.
هذا الوطن السائح على بساط الريح، كلُّهم فيه يحاول أن يزرع الريح في سماء غيره، مع أن الفضاء لا يخضع لحواجز التفتيش، وأن الهوية الطائفيّة، أو الهوية المذهبيّة، والبطاقة الحزبيّة، لا تنقذ أصحابها من هول العاصفة التي لا مذهب لها ولا دين.
هذا اللبنان الذي كان "درّة الشرقَيْن" أصبح ضحية الرقمين (14 و8) وضحية كل أنواع الجنون السياسي. هم الفنّانون السياسيّون الذين خرَّبوه وفرَّقوه وسلبوه وفقّروه وحقَّروه، ولم يبقَ لإنقاذه إلا اللجوء إلى صيغة الفنّ للفن، فن اللحن، وفن الموسيقى والغناء والطرب والمطربين وهيفا، ما دامت "شيمة أهل البيت كلِّهمِ الرقصُ".
إنها الفرصة الأخيرة امام المسؤولين والسياسيين "المرقَّمين" لاقتناص فرصة النجاح من طريق الفن الغنائي والتفاعل مع الموسيقى، فكما أن جبران يقول: - جبران خليل جبران طبعاً - إنّ القافلة لا تقوم بثقيل الأحمال إلا إذا كانت الأجراس معلّقة في رقابها، فعلى هؤلاء المسؤولين أن يَحْملوا لمرّة واحدة بعضاً من أثقال هذا الشعب، حتى ولو علَّقوا في رقابهم الأجراس.