بدأ الأمر عندما جرى التفكير بحلول لأزمات السير على طرقات لبنان وكان مجرد التفكير بحل لهذه المشكلة أمرًا إيجابيًا إذ إنّ المواطن اللبناني يحلم بحلّ لها وخصوصًا في المدن الكبرى. وعملا بالمثل القائل تفاءلوا بالخير تجدوه، جرى التفاؤل بالحل المقترح للتخفيف من حدة أزمة السير في بيروت بتاريخ 17/1/2006 عندما صدر عن مجلس بلدية بيروت القرار رقم 28 القاضي بالموافقة على نظام الوقوف على جوانب الطرق.
اذا عدادات الوقوف كانت جزءا من الحل، وهذا المشروع جاء بعد ان حصلت الدولة اللبنانية على قرض من البنك الدولي لتمويل تطوير النقل الحضري لمدينة بيروت الكبرى Urban Transport Development Project، بهدف تخفيف زحمة السير الخانقة، وتنشيط الحركة التجارية والإقتصادية في العاصمة، والسماح لأكبر قدر ممكن من السيارات من الوقوف بشكل نظامي ومتتابع في شوارع العاصمة، وقد خُصّص جزءٌ من هذا القرض لتركيب عدادات وقوف السيارات المدفوعة على جوانب الطرق ضمن منطقة بيروت الكبرى.
6 سنوات مرّت على هذا المشروع، واليوم البحث في هذا الملف ومدى نجاح هذه التجربة او فشلها أصبح أمرًا ضروريًا، فبعض المواطنين الذين التقت بهم "النشرة" انتقدوا بشدة هذه العدادات، معتبرين أنّها عدّادات للسرقة لا أكثر، وهذا ما أشار إليه محمد يونس: "لم أعلم بوجود غرامة على سيارتي لأنّني لم أجد عليها ما يدلّ على ذلك، والمفاجأة كانت عند قيامي بتمرير السيارة على الميكانيك وجدت نفسي محروما من هذه الخدمة". وأضاف يونس في حديث لـ"النشرة": "يقولون لك بأن كل المخالفات مصورة لديهم لكنني حاولت جاهدا الاطلاع على الصورة دون جدوى، هذا إن كانت بالأصل موجودة"، لافتا إلى أنّ المصيبة الأكبر تكون عندما تريد إزالة الاشارة عن السيارة. من جهة اخرى مدح مواطنون آخرون التجربة واشادوا بها واعتبروا أنها خففت بالفعل من "العجقة"، إلا أننا تعودنا في لبنان على أن يكون لكل مشروع "زواريبه"، فهل لمشروع عدادات الوقوف "زواريب" وهل يحمل على متنه مخالفات قانونية، أم أنه مشروع نظيف كما يقول عرابوه؟
اكثر من علامة استفهام
علامات الاستفهام التي وضعت حول هذا المشروع كثيرة، فأين تذهب امواله مثلا؟ كيف يتم توقيع محاضر على المواطنين دون سلطة قانونية او دون قرار قضائي؟ كيف يتم منع خدمة ما عن المواطن دون قرار قضائي؟ كل هذه الاسئلة طرحها رئيس نقابة مكاتب السوق حسين توفيق غندور في حديث لـ"النشرة".
غندور المتابع لملف عدادات الوقوف في بيروت خاصة ولبنان عامة نظرا للمشاكل الكبيرة التي تعتري هذا المشروع حسب توصيفه، رأى انه "من ناحية الشكل يظهر هذا المشروع على انه مشروع تنظيمي ينظم حركة السير والوقوف والتوقف الا انه بالمضمون هو غير ذلك"، مشيرا الى انه سبب ويسبب الكثير من المشاكل للمواطن اللبناني، فعندما يتقدم المواطن من اقسام وفروع هيئة ادارة السير "النافعة" للحصول على خدماتها، يفاجأ بوجود اشارة تمنع عنه هذه الخدمات بسبب عدم دفعه رسم الوقوف في منطقة معينة، دون ان يكون على علم بهذا الامر، ويقال له ان يراجع مصلحة الوقوف، ولكن لا وجود لمصلحة الوقوف كجهاز اداري تنفيذي بل مجرد اسم. واضاف: "عندها يجد المواطن نفسه مضطرا للتواصل مع شخص عبر الهاتف من اجل هذه القضية"، وهذا ما ذكره محمد سابقا. وقال غندور: "بعد عدة شكاوى في هذا الاطار قمنا كنقابة بالتحقيق فوجدنا ان هذا التدبير يجري بواسطة قرار مجلس بلدية بيروت، واتضح لنا انه حتى ولو ذهب المواطن اللبناني الى قصور العدل في لبنان ليراجع بشأن تلك المخالفة يأتيه الجواب من القضاء بأن "الموضوع مش عنا".
مخالفة أم بدل وقوف اضافي بالقوّة؟
السؤال هنا الذي طرحه غندور: "كيف يقبل وزيرا العدل والداخلية ان توضع اشارة وقف ومنع الخدمات عن اللبنانيين دون ان يصدر القضاء المختص قرارا يطلب فيه وضع اشارة على ملف السيارة؟"
هذا التساؤل وغيره اجاب عليه عضو بلدية بيروت ورئيس لجنة السير في البلدية المهندس رشيد اشقر عبر "النشرة"، فاعتبر ان كل ما يقال عن تجاوزات ومخالفات ليس امراً صحيحا رغم انه قد تحدث بعض الاخطاء من قبل اشخاص وليس من قبل الشركة، ربّما على أساس أن الشركة هي معصومة عن الأخطاء وفوقها. واضاف: "قبل كل شيء لا يمكن القول ان هيئة ادارة السير التي تدير مشروع عدادات الوقوف توقع "ضبطا" بحق اي مواطن لانه ليس لديها الحق بذلك مطلقا، وكل ما تفعله الهيئة هو فرض بدل وقوف اضافي يبلغ 10 الاف ليرة يستطيع المواطن اذا دفعها ان يبقي سيارته مركونة طوال النهار". ولفت اشقر الى ان عدم دفع بدل الوقوف الاضافي خلال مهلة 10 ايام يعني الإحالة الى "النافعة" لحفظ حق الشركة وحق البلدية.
اما الحديث عن اموال هذه العدادات والتي اشار غندور فيما يتعلق بها الى انه يوجد حساب خاص في مصرف لبنان تصرف منه اموالا تحت حجة التصليح، قال اشقر: "عدادات بيروت هي ملك البلدية واموالها تعود لها وبالفعل يوجد حساب خاص في مصرف لبنان ولكن الاموال التي تخرج منه فهي لاعادة تأهيل هذه العدادات وليس الامر حجةً".
اشقر تحدث عن المخالفات التي يقوم بها بعض موظفي العدادات وخصوصا تلك التي تجري بالتواطؤ مع "الفالي باركينغ"، داعيا المواطنين الى التنبه، ومعلنا انه تم معاقبة وطرد بعض هؤلاء بسبب مخالفاتهم. وقال: "بعض المراقبين الذي يحررون بدل وقوف اضافي يقولون للمواطن انهم بامكانهم الغاءه مقابل نصف المبلغ مثلا الا ان ذلك لا يمكن ان يحصل لان المكننة المعتمدة تؤدي الى تسجيل اي بدل وقوف اضافي فورا وبالتالي فسيتعرض المواطن لعمية احتيال". هذا الامر حصل بالفعل مع حسين بدران: "قال لي المراقب انه بامكانه الغاء المحضر مقابل خمسة الاف ليرة لبنانية، وبالفعل اعطيته المبلغ الا انني تفاجأت بتسجيل المحضر "بالنافعة" وتراكم الغرامة". اشقر وعد اخيرا بالعمل الدائم من اجل تحسين هذه الخدمة ومنع اي تجاوز ممكن ان يحصل.
في لبنان تعود اللبناني على غش مسؤوليه وسرقتهم له، وبالتالي اصبح الشك موجودا لديه في كل مشروع ينفّذ حتى يثبت العكس، ولكن حتى يومنا هذا لم يثبت اي مشروع نظافته بشكل مطلق، بل زاد اليقين بأن دولتنا بأكملها مبنية على باطل، وما بني على باطل فهو باطل حتما. ولذلك أثبتت العدّادات فشلها، إذ أن بعضها وُضِع في أماكن تسبب زحمة خانقة والبعض الآخر يأخذ من جيوب المواطنين بالقوّة، وهي بالتالي لم تأتِ بجديد.