والآن... استَحْضرَ صيَّادو الجوائز قولَ ولي الدين يكَن: "الشرق وطني وأنا في الشرق غريب"... ليتَلقَّفوا بشغَف المسيحية المشرقية ويجعلوا من الشَبَهِ مشرقيَّتين إثنتين: والضدُّ يُظهر حسْنَهُ الضدُّ.
اللقاء الأول لمسيحيِّي المشرق انعقد في المركز البطريركي الكاثوليكي في الربوة، وتبنّاه بخفر مسيحيون من لبنان، ولأنه جمَع القِمَّتين المسيحيتين الزمنية والروحية، قاطَعةُ بحذر مسيحيون مشرقيون.
واللقاء الثاني احتكَره طرف مسيحي أحادي من لبنان، ولأنه تظلّل بأحادية دبلوماسية إقليمية ودولية، إرتاب به الآخرون وقاطعوه.
هكذا، وكمثل أي لقاء مشابه، يصبح اللقاء افتراقاً، وسبباً إضافياً للقطع لا للوصل، ويصبح مسيحيّو المشرق على صورة مسيحيّي لبنان مثالاً يحتذى لشعار "فرّق تسُدْ"، تلك الآفة التاريخية التي أغرَقت المسيحيّين في مجازر البحر الأبيض المتوسط.
في العقل المسيحي المنشطر، ليس هناك متوسط، هكذا كان ترسيم الجغرافيا المسيحية وفق الخريطة الميليشيوية على الأقل.
والخريطة المسيحية اليوم في أحزابها وأقطابها وهيئاتها المارونية على الأقل، لا يزال ربك يزيد منها ويبارك تعدّدها بين: كتائب، كتلة، أحرار، قوات، مردة، حركة الإستقلال، رابطة مارونية، مجلس ماروني، تجمع مسيحي مستقل، تجدّد ديمقراطي، حزب التضامن، حزب السلام، بيت عنيا، سيدة الجبل، مؤسسة الإغتراب، الى تجمّعات عديدة أخرى من شتات القوميّين والشيوعيّين وحركات مكتومة معارضة من الكتائب والقوات والأحرار.
إنها خريطة حزبية وسياسية، متباينة الأغراض متجاذبة الأبعاد متناقضة الأهواء، في منافسة باردة نارها تحت الرماد، والثقافة التي ورثناها من مسلسل الإنتفاضات كما من حروب العزل والإلغاء، لا تستسيغ هذه التعددية الفضفاضة، ولا تؤمن بالنظرية القائلة: إن البحر فيه سمك لكل الناس، بل بنظرية السمك الكبير والسمك الصغير، وبأحادية طاغية إنْ هي تحولت الى تعددية، تحولت معها التعددية الى مواجهة.
قبل اللقاء المشرقي الثاني بما تصدّره من عناوين عريضة أبرزها: "تعزيز رئاسة الجمهورية برئيس قوي في طائفته ووطنه...". كنا نخشى من تصادم الإطارات في المرْكَبة الرباعية الدَفْع كلما دنا موعد استحقاق بعبدا من الإقتراب، وبتنا اليوم نتهيّب أكثر، بعدما انطلق الدخان من فندق الحبتور، ولا ندري على أي لون أسود أو أبيض يستقر معه الدخان البرتقالي إن لعبت به الرياح الشرقية.
ولأن الأمر أخطر من هواية القفز على ظهور الخيل، نرجو من الذين اشتهروا باصطياد جوائز المكافآت، ممَّن عرفناهم وخبرناهم في لقاءات مماثلة، أن يتركوا المسيحيين المشرقيين وشأنهم، وحسْبُنا أن نقول لهم ما قاله الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان في بعض قادة فلسطين:
أنتمُ المخلصون للوطنيهْ أنتمُ الحاملون عـبْءَ القضيهْ
ما جَحَدْنا أفْضَالكم غيرَ إِنَّا لم تـزَلْ في نفسنا أمْنيَّهْ
في يدينا بقيةٌ من بلادٍ فاستريحوا كي لا تطير البقيَّهْ